للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه قال أكثر أئمة (١) التفسير: أن المحارب إذا آمن وأصلح قبل القدرة عليه سقط عنه جميع الحدود التي ذكرها الله تعالى، ولا يطالب بشيء منها في مال ولا دم، وكذلك لو أُمِّن بعد القدرة عليه لم يطالب بشيء.

قال الزجاج (٢): جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم هي كون ذلك أدعى للدخول في الإيمان، فأما المسلم المحارب إذا تاب واستأمن من قبل القدرة عليه، فقال السدي (٣): هو كالكافر إذا أمن لا يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه، فإنه يرد على أهله، وبهذا حكم علي [كرم الله وجهه] (٤) في حارثة بن بدر التميمي، وكان قد خرج محارباً فأتى سعيد بن قيس فانطلق سعيد بن قيس على علي - عليه السلام - وقال: يا أمير المؤمنين! ما جزاء من حارب وسعى في الأرض وفساداً؟ قال: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} قال: فإن تاب قبل أن يقدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال: فإنه حارثة بن بدر فأتاه به فأمنه وكتب له كتاباً.

وقال الشافعي: يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم ما كان قصاصاً أو مظلمة في مال. انتهى من الوسيط (٥) [٢٩١/ ب].

٣ - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مُرَّ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّماً مَجْلُوداً فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي كَتَابكُم؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَالَ لَهُ: "أنْشِدُكَ بِالله الَّذِي أنزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى! هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كتَابِكُمْ؟ ". فَقَالَ:


(١) انظر "جامع البيان" (٨/ ٣٨١ - ٣٨٢) "تفسير ابن كثير" (٥/ ١٨٤ - ١٨٧).
(٢) في "معاني القرآن وإعرابه" (٢/ ١٧١).
(٣) انظر "جامع البيان" (٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤).
(٤) الأولى قوله - رضي الله عنه -.
(٥) "الوسيط في المذهب" (٦/ ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>