• يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون، ويتوالدون، قرناً بعد قرن. أي: أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أي: قررهم، بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه ربهم، وخالقهم ومليكهم. قالوا: {بَلَى} قد أقررنا بذلك، فإن الله تعالى، فطر عباده على الدين الحنيف القيم. فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكنا لفطرة قد تغير وتبدل، بما يطرأ على العقول من العقائد الفاسدة، ولهذا: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. أي: إنما امتحناكم، حتى أقررتم، بما تقرر عندكم من أن الله تعالى ربكم خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقررا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة الله ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة لله عليكم. أو تحتجون أيضاً بحجة أخرى، فتقولون: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم. {فَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)}، فقد أودع الله في فطركم ما يدلكم على أن ما مع آبائكم، باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه. =