للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله تَعَالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَل سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ! أَبْشِرْ! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَلِمْت أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِتَوْبَةِ الله عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى الْجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَالله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنَّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عبيد الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَالله مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ, فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ فَقُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ الله أَمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ فَقَالَ: "لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ الله تَعَالَى" وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ فَكَأَنَّه قِطْعَةُ قَمَرٍ، قَالَ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بين يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خيرٌ لَكَ"، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّ الله إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَالله مَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ الله فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَهُ، وَالله مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ مَا قُلت لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ الله تَعَالَى فِيمَا بَقِىَ، قَالَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) حتى بلغ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>