للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَادِثَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى الْخَصْمِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ عَنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا تَقُولُ فِي سُلْطَانٍ لِإِنْسَانٍ قِبَلَهُ حَقٌّ وَلَا يُجِيبُهُ إلَى الْقَاضِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَعْمَلُ بِالْإِعْدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: أَجِبْ خَصْمَك، يُنَادِي بِذَلِكَ أَيَّامًا فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا جَعَلَ الْقَاضِي لِذَلِكَ السُّلْطَانِ الَّذِي أَبَى أَنْ يُجِيبَ وَكِيلًا فَيُخَاصِمُ هَذَا الْمُدَّعِيَ، فَقُلْت لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ تَجْعَلُ لَهُ وَكِيلًا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَقُلْت: أَفَلَا تَكُونُ قَضَيْت عَلَى الْغَائِبِ؟ فَقَالَ: لَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْمَلُ بِالْإِعْدَاءِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَأَمَّا الْهُجُومُ عَلَى الْخَصْمِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَتَوَارَى الْمَدْيُونُ فِي مَنْزِلِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي فَيَبْعَثُ أَمِينَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ وَمَعَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْوَانِ الْقَاضِي وَمِنْ النِّسَاءِ إلَى مَنْزِلِهِ بَغْتَةً حَتَّى يَهْجُمُوا عَلَى مَنْزِلِهِ، وَيَقِفَ الْأَعْوَانُ بِالْبَابِ وَحَوْلَ الْمَنْزِلِ وَعَلَى السَّطْحِ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ الْهَرَبُ، ثُمَّ تَدْخُلُ النِّسَاءُ الْمَنْزِلَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ فَيَأْمُرْنَ حَرَمَ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يَدْخُلْنَ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ يَدْخُلُ أَعْوَانُ الْقَاضِي وَيُفَتِّشُونَ الدَّارَ غُرَفَهَا وَمَا تَحْتَ السُّرُرِ حَتَّى إذَا وَجَدُوهُ أَخْرَجُوهُ وَإِذَا لَمْ يَجِدُوهُ يَأْمُرُونَ النِّسَاءَ حَتَّى تُفَتِّشْنَ النِّسَاءَ فَرُبَّمَا تَزَيَّا بِزِيِّ النِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ صُورَةُ الْهُجُومِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي هَلْ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي؟ قَالَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ: وَسَّعَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ قَضَائِهِ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ هَذَا أَيْضًا. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ هَجَمَ عَلَى بَيْتِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا قُرَشِيٌّ وَالْآخَرُ ثَقَفِيٌّ بَلَغَهُ أَنَّ فِي بَيْتِهِمَا شَرَابًا فَوَجَدَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعَنْ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ وَالدُّخُولِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إذَا سُمِعَ مِنْهُ صَوْتُ فَسَادٍ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ لِلْقَاضِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعِيَ طِينَةً أَوْ خَاتَمًا أَوْ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ لِإِحْضَارِ الْخَصْمِ جَازَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، وَفِي الْمِصْرِ يَبْعَثُ الْأَشْخَاصَ وَقَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَى قَلْبِ هَذَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُضَاةُ فِي هَذَا مُخْتَلِفُونَ بَعْضُهُمْ اخْتَارَ دَفْعَ طِينَةٍ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ دَفْعَ الْخَاتَمِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي طِينَةً أَوَخَاتَمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْخَصْمِ وَأَرَاهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمِ: هَذَا خَاتَمُ الْقَاضِي فُلَانٌ يَدْعُوك أَتَعْرِفُهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَلَكِنْ لَا أَحْضُرُ أَشْهَدَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِتَمَرُّدِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِذَلِكَ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يُحْضِرُهُ أَوْ يَسْتَعِينُ فِي ذَلِكَ بِالْوَالِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أُجْرَةِ الْمُشَخَّصِ بَعْضُهُمْ قَالَ: هِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَلَى الْمُتَمَرِّدِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>