للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَهْلِهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُجِيبَ خَصْمَهُ وَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ، فَهَذَا قَرِيبٌ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَبِيتَ فِي الطَّرِيقِ فَهَذَا بَعِيدٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي كَيْفَ يَصْنَعُ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِأَجْلِ الْإِحْضَارِ، وَالْمَسْتُورُ فِي هَذَا يَكْفِي فَإِذَا أَقَامَ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا أَعَادَ فَظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ أَقَامَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِنْ حَلَفَ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ؛ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ، كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.

وَإِنْ أَرْسَلَ الْقَاضِي إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُحْضِرُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي: إنَّهُ تَوَارَى عَنِّي وَسَأَلَ التَّسْمِيرَ وَالْخَتْمَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، فَالْقَاضِي يُكَلِّفُهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُمَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمَا؟ فَإِنْ قَالَا: رَأَيْنَاهُ فِيهِ الْيَوْمَ أَوْ أَمْسِ أَوْ مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبِلَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَيُسَمِّرُ وَيَأْمُرُ بِالْخَتْمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَجْعَلُ بَيْتَهُ عَلَيْهِ سِجْنًا وَيَسُدُّ عَلَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ فَيَخْرُجُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ قَدْ تَقَادَمَتْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، ثُمَّ جَعَلَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَقَادِمًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ تَقَادَمَتْ رُؤْيَةُ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي الدَّعْوَى لِتَأْخِيرِ خُرُوجِ قُرْعَتِهِ بِأَنْ كَانَ الْقَاضِي أَقْرَعَ بَيْنَ الْخُصُومِ لِيَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ نَوْبَةَ دَعْوَاهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي بَعْدَمَا خَتَمَ الْبَابَ وَمَضَى أَيَّامٌ إنَّهُ قَدْ جَلَسَ فِي الدَّارِ وَلَا يَحْضُرُ: فَانْصِبْ لِي عَنْهُ وَكِيلًا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: الْقَاضِي يَبْعَثُ رَسُولًا يُنَادِي عَلَى بَابِهِ وَمَعَهُ شَاهِدَانِ فَيُنَادِي الرَّسُولُ عَلَى بَابِ الْخَصْمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، إنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: احْضَرْ مَعَ خَصْمِك فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا نَصَبْتُ عَنْك وَكِيلًا وَقَبِلْتُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْك بِحَضْرَةِ وَكِيلِك.

فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْضُرْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَكِيلًا وَسَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَأَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ، قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أَرَى أَنْ أَنْصِبَ عَنْهُ وَكِيلًا فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ هُنَاكَ مُخَالِفًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُخَالِفَ، فَقِيلَ: الْمُخَالِفُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: رَأَيْت فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَفِي الْكُبْرَى وَكَانَ هَذَا فَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ لَهُ وَكِيلًا وَيَقْضِي بِمَحْضَرٍ مِنْ وَكِيلِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَذَا لَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كِتَابًا

<<  <  ج: ص:  >  >>