للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ سِمَاعَةَ مُطْلَقَةً وَفِي بَعْضِهَا مُقَيَّدَةً فَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَدْلٌ آخَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي زَمَانِنَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رُجُوعَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّاهِدُ إمَامُ الْهُدَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ يَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَدْلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ عَالِمٍ يَسْتَفْسِرُ إنْ أَحْسَنَ ذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ فَاسِقًا غَيْرَ جَاهِلٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ السَّبَبَ. وَأَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ.

وَقَالَ: مَعَ جَهْلِهِ أَوْ فِسْقِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَصْلًا هَذَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنْ قَالَ: قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ عِنْدِي، وَعَدَلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْخَصْمِ ثَمَّةَ يَعْمَلُ وَهَهُنَا رُجُوعُ الْخَصْمِ لَا يَعْمَلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْعَزْلِ وَصُورَتُهُ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَجَاءَ رَجُلٌ وَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ، وَقَالَ إنَّهُ دَفَعَ مَالِي وَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا إلَى هَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَالَ: إنَّهُ قَتَلَ وَلِيِّي فُلَانًا وَهُوَ قَاضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ: فَعَلْت مَا فَعَلْت بِقَضَاءٍ قَضَيْته عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْخُصُومَةُ قَائِمَةً، أَوْ هَالِكَةً.

وَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِرَجُلٍ: قَضَيْتُ عَلَيْك لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَخَذْتهَا مِنْك وَدَفَعْتهَا إلَيْهِ حِينَ مَا كُنْت قَاضِيًا، وَقَالَ الرَّجُلُ: لَا بَلْ أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعَزْلِ ظُلْمًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَهَلْ يُنْزَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي مِنْ الْأَصْلِ لَمْ آخُذْهَا مِنْ هَذَا وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِي بِهَا لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ.

وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ قَضَى لِي بِهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ وَتُسَلَّمُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِضَ قَوْمًا ثِقَاتٍ قَالَ: وَشَرْطُ الثِّقَةِ شَيْئَانِ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْخُرُوجِ عَنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَجُوجًا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا شَرَطُوا شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا، وَلَا يَكُونُ غَرِيبًا صَاحِبَ حُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ لِلْيَتِيمِ مَا يَكُونُ لِلْيَتِيمِ مِنْهُ غَلَّةٌ، أَمَّا إذَا وَجَدَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ مُضَارَبَةً قَالَ هِشَامٌ: فَذَكَرْنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَمْوَالٍ تَجْتَمِعُ لِلْأَيْتَامِ عِنْدَ الْقَاضِي أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْقَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>