دَفْعُهَا بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِضَمَانٍ.
فَأَخْبَرَنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ يَدْفَعَهَا بِضَمَانٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الَّذِي يَضْمَنُ يُوَفِّي فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْرِضَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَا يَشْتَرِيهِ، وَرَوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ جَازَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَوْدَعَ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ بَاعَ أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْقَاضِي وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ قَوْمٌ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: اسْتَوْدَعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ، أَوْ يَقُولُ: بِعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ بِكَذَا وَكَذَا فَجَحَدَ فُلَانٌ ذَلِكَ؛ قَالَ: يَقْبَلُ الْقَاضِي الثَّانِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيُؤَاخَذُ الْمُسْتَوْدَعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ.
وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ دَفَعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ إلَى تَاجِرٍ فَجَحَدَهُ التَّاجِرُ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَصَدَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ فَجَحَدَهُ الْمُشْتَرِي أَمْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَإِذَا قَبَضَ الْقَاضِي مَالَ يَتِيمٍ أَوْ غَائِبٍ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى قَوْمٍ وَلَا يَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي: دَفَعْتُ إلَى وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأَيْتَامِ، وَلَا أَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعْتُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: أَوْدَعْتُ مَالَ الْيَتِيمِ فُلَانًا أَوْ بِعْتُهُ مِنْهُ بِكَذَا؛ أَخَذَهُ بِهِ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْقَاضِي الْبَرَاءَةَ يُصَدَّقُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَضَمِنَ لَهُ الْقَاضِي ثَمَنَ مَا بَاعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمِينُهُ وَضَمِنَ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْقَاضِي أَوْ الْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ (قض) لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ مُسْرِفًا وَيَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الْمَكَارِمِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ أَوَّلَ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقَطِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْغَائِبِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ إذَا خَافَ التَّلَفَ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ وَفِي الْإِبَانَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْقَاضِي يَبِيعُ عَبْدَ الْمَفْقُودِ وَمَنْقُولَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ. وَالْقَاضِي إذَا بَاعَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ وَكَبِرَ الْوَرَثَةُ وَرَفَعُوا إلَى آخَرَ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ فُسِخَ وَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَهُوَ قَاضٍ يَقْبَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ الْأَيْتَامِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي النَّاصِرِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يَجُوزُ وَلَوْ ظَهَرَ الْوَارِثُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا وَكَّلَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute