للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ حَبَسَهُ بِحَقٍّ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ خَصْمَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَى، فَإِذَا أَقَامَ وَعَرَفَهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ أَدَامَ حَبْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَاحْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ أَخَذَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُطْلِقُهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: أَنَا مَحْبُوسٌ بِدَيْنِ فُلَانٍ فَمُرْهُ يَأْخُذُ مِنِّي كَفِيلًا وَيُطْلِقُنِي؛ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ بِإِحْضَارِ خَصْمِهِ فَإِذَا حَضَرَ وَصَدَّقَ الْمَحْبُوسَ فِي إقْرَارِهِ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ الْمُقَرَّ لَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَكِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا الْقَاضِي يَأْمُرُ الْمَحْبُوسَ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَيْهِ وَلَا يُطْلِقُهُ لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَيَأْمُرُ مُنَادِيًا بِالنِّدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ آخَرُ أَطْلَقَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَصَّافُ أَخْذَ الْكَفِيلِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا أَخْذَ الْكَفِيلِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِئْ الْمَحْبُوسُ بِالْمَالِ لَكِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: أَنَا أَخْتَارُ الرِّفْقَ وَأُمْهِلُهُ وَأُطْلِقُهُ فَالْقَاضِي لَا يُطْلِقُهُ وَيُحْتَاطُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا، ثُمَّ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ وَإِنْ قَالَ: لَا كَفِيلَ لِي أَوْ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيَّ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ إذْ لَيْسَ لِي خَصْمٌ يَطْلُبُ مِنِّي الْكَفِيلَ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ وَلَا يُعَجِّلُ بِإِطْلَاقِهِ حَتَّى يُنَادِيَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَطْلَقَهُ.

(النَّوْعُ الثَّانِي) الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعُقُوبَاتِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي أَقْرَرْتُ بِالْقِصَاصِ لِفُلَانٍ وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَصَدَّقَهُ خَصْمُهُ فِيمَا أَقَرَّ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ. فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ وَيُمَكِّنُ خَصْمَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَتَأَنَّى وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ أَيْضًا وَيُمَكِّنُ خَصْمَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ آخَرَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ فَيُوَاضِعُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ فَيُقِرُّ لَهُ بِطَرَفِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ السِّجْنِ فَيُبْطِلُ حَقَّ الْآخَرِ فِي النَّفْسِ.

(الثَّالِثُ) الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعُقُوبَاتِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، نَحْوُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ؛ لِأَنِّي أَقْرَرْت بِالزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ فَحَبَسَنِي لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِتِلْكَ الْأَقَارِيرِ فَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ تَقَادَمَ الْعَهْدُ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ فَيَرْجُمُهُ إنْ مُحْصَنًا وَيَجْلِدُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَجِيءَ خَصْمٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ صَحَّ رُجُوعُهُ، كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَلَكِنْ لَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي فِي إطْلَاقِهِ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا حُبِسْت؛ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِالزِّنَا فَحَبَسَنِي الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ فَقَوْلُ الْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ هَذَا الْقَاضِي فَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي بِزِنَاهُ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَدْ تَقَادَمَ وَلَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ لِتَوَهُّمِ الْحِيلَةِ بَلْ يَتَأَنَّى وَيُطْلِقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَفِيلٍ لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>