للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي أَقْرَرْتُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَهُ أَوْ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَحَبَسَنِي لِيُقِيمَ عَلَيَّ الْحَدَّ فَهَذَا الْقَاضِي لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا حُبِسْتُ لِأَنِّي قَدْ أَقْرَرْتُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ لِأَنَّهُ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيَّ بِالسَّرِقَةِ مِنْ فُلَانٍ فَهَذَا الْقَاضِي يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَا بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَلَا بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَلَكِنْ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ تَقَادَمَ الْعَهْدُ أَوْ لَمْ يَتَقَادَمْ وَلَا يُعَجِّلُ فِي إطْلَاقِهِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثَانِيًا لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ فَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ السَّرِقَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى السَّوَاءِ.

(وَالرَّابِعُ) الْحَبْسُ بِسَبَبِ عُقُوبَةٍ هِيَ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ إذَا قَالَ بَعْضُ الْمَحْبُوسِينَ: إنَّمَا حُبِسْتُ؛ لِأَنِّي قَدْ قَذَفْتُ هَذَا الرَّجُلَ بِالزِّنَا وَصَدَّقَهُ هَذَا الرَّجُلُ فِي إقْرَارِهِ اسْتَوْفَى مِنْهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُعَجِّلُ الْقَاضِي فِي إطْلَاقِهِ وَلَوْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِخِلَافِ الرُّجُوعِ عَنْ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ عَلَى يَدِي فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ دَفَعْته إلَيْهِ وَهُوَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْمَالَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ: دَفَعَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ لَكِنَّهُ لَا أَدْرِي أَنَّهُ لِمَنْ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَأَيْضًا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ كَذَّبَ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ قَالَ: دَفَعَ إلَيَّ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ لِفُلَانٍ آخَرَ غَيْرَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ: الْمَالُ الَّذِي فِي يَدَيَّ لِفُلَانٍ غَيْرُ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي وَإِنْ دَفَعَ بِقَضَاءٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: فِي يَدِ فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَصَابَهُ فُلَانٌ الْيَتِيمُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَصَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ ذَلِكَ الْمَالَ فَهُوَ لِلْيَتِيمِ.

وَإِنْ قَالَ بَاقِي الْوَرَثَةُ: لَمْ يَسْتَوْفِ مِنَّا أَحَدٌ حَقَّهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَالْيَتِيمُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْمُقَلَّدِ أَنْ يَنْظُرَ لِلْيَتِيمِ وَيُحَلِّفَ بَاقِيَ الْوَرَثَةِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتُمْ حُقُوقَكُمْ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدَكُمْ فُلَانٌ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَصَابَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ وَادَّعَى بَاقِي الْوَرَثَةُ أَنَّهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِمْ فَالْمَالُ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ هُنَا مَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِوَالِدِ الْيَتِيمِ لِيَصِيرَ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، بَلْ أَقَرَّ لِلْيَتِيمِ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلْيَتِيمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ بَاقِي الْوَرَثَةِ يَدَّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ حَقًّا فِي هَذَا الْمَالِ وَلَا يَصَدَّقُونَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مَالًا بِصَكٍّ عَلَى رَجُلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>