قَدْ كَانَ الْقَاضِي بَيَّنَ فِي الصَّكِّ سَبَبَهُ وَأَشْهَدَ فِي الصَّكِّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْيَتِيمِ وَأَصَابَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فُلَانٌ وَأَنَّ سَائِرَ الْوَرَثَةِ اسْتَوْفَوْا حُقُوقَهُمْ فَنَقُولُ: مُجَرَّدُ الصَّكِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَاقِي الْوَرَثَةِ حُقُوقَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ شَهَادَةُ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَى إشْهَادِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ كَانَ هَذَا الْمَالُ لِلْيَتِيمِ وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: ثَبَتَ عِنْدِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ ضَيْعَةَ كَذَا عَلَى كَذَا وَحَكَمْت بِذَلِكَ وَوَضَعْتهَا عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ وَأَمَرْته بِصَرْفِ غَلَّاتِهَا إلَى السَّبِيلِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْوَقْفِ وَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْيَدِ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ وَرَثَةُ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ أَنْفَذَ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ هَذَا الْوَقْفَ.
وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ قَدْ جَحَدُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةٌ كَانَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ وَلَكِنْ تُسْتَحْلَفُ الْوَرَثَةُ عَلَى عِلْمِهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَإِنْ نَكَلُوا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْوَقْفِيَّةِ بِإِقْرَارِهِمْ، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْوَقْفِيَّةِ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَاقِفِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ: إنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْأَرْبَابِ أَوْ قَالَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ بَيَّنَ وَجْهًا آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ وَلَمْ يَقُلْ: وَقَفَهَا عَلَى فُلَانٍ فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يُنَفِّذُهُ وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ التَّفْصِيلِ وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَقَعُ الِاسْتِفْسَارُ ضَارًّا فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَتْرُكُهُ وَيَكْتَفِي بِالْإِجْمَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُحَاسِبَ الْأُمَنَاءَ مَا جَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَغَلَّاتِهِمْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى، حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ أَدَّى الْأَمَانَةَ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ أَوْ خَانَ فَإِنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ خَانَ اسْتَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يُحَاسِبُ الْقُوَّامُ عَلَى الْأَوْقَافِ وَيَقْبَلُ قَوْلَهُمْ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْغَلَّاتِ وَالْأَمْوَالِ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ.
قَالَ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَفِيمَا يُخْبِرُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الضَّيْعَةِ وَمَا صَرَفَ مِنْهَا فِي مُؤْنَاتِ الْأَرَاضِيِ إنْ كَانَ وَصِيًّا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
وَفَرْقٌ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فَالْوَصِيُّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ وَالْقَيِّمُ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التَّصَرُّفِ وَإِذَا عَرَفْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فَإِذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ الْإِنْفَاقَ فَقَدْ ادَّعَى مَا دَخَلَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْقَيِّمُ ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا سَوَّوْا بَيْنَ الْوَصِيِّ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لِلضَّيْعَةِ مِنْهُ بُدٌّ قَالُوا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَقَاسُوا عَلَى قَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ نَحْوَ الْحَصِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالدُّهْنِ أَوْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْ غَلَّاتِ الْمَسْجِدِ إلَى أَجْرِ الْخَادِمِ لَا يَضْمَنُ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَتَعَطَّلُ الْمَسْجِدُ كَذَا هَهُنَا وَمَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالُوا: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي زَمَانِنَا فَالْقَيِّمُ فِي زَمَانِنَا مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute