للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَيْهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَنْفُذُ.

(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ بِأَنْ غَابَ رَبُّ الدَّيْنِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْقَاضِي أَوْ عَلَى مَنْ سَمِينًا مِنْ قَرَابَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَضَاءُ قَبْلَ دَفْعِ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَ دَفْعِ الدَّيْنِ إلَيْهِ، فَإِنْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ بِالْوَكَالَةِ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَرُدُّهُ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ أَمْضَاهُ لَا يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ.

وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَيْهِ فَأَمْضَاهُ الثَّانِي جَازَ إمْضَاؤُهُ.

وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا عَنْ غَائِبٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَتَفْسِيرُ الْمُسَخَّرِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيُسْمِعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَ رَجُلٌ غَيْرَهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيُسْمِعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ الْمُحْضَرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَالْقَاضِي لَا يُسْمِعُ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ رَجُلٌ غَابَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَأَنَّ الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى غُرَمَائِهِ بِالْكُوفَةِ وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ وَكَالَتَهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسَخَّرِ فَإِنَّهُ قَالَ: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ.

وَلَمْ يَقُلْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هُوَ غَرِيمُ الْغَائِبِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّمَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُسَخَّرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ مُسَخَّرٌ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَاصِلِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِمُخْتَلَفٍ.

وَإِلَى هَذَا مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ: يُفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَالنَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى هَدْمِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَى الْمُسَخَّرِ وَأَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ صَحَّ الْإِمْضَاءُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ.

إذَا قَضَى الْقَاضِي بِعَيْنٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمَقْضِيُّ بِهِ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ بُخَارِيٌّ ادَّعَى دَارًا عَلَى سَمَرْقَنْدِيٍّ عِنْدَ قَاضِي بُخَارَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِسَمَرْقَنْدَ فِي مَحَلِّهِ كَذَا إلَى آخِرِهِ مِلْكِي وَحَقِّي وَفِي يَدَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي وَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ حَاضِرَانِ إلَّا أَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ فَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ لِأَجْلِ التَّسْلِيمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا خَافَ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَيْبَةَ الشُّهُودِ أَوْ مَوْتَهُمْ وَأَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ عَلَى النَّاسِ وَجَعَلَ مَا يُرِيدُ إثْبَاتَهُ عَلَى الْغَائِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>