- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يَسْأَلْ الْقَاضِي عَنْ الْمُزَكِّي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وَلَا يَجْعَلُ قَوْلَ الْخَصْمِ هُمْ عُدُولٌ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ تَعْدِيلُهُ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي أَصَدَقَ الشُّهُودُ أَمْ كَذَبُوا؟ فَإِنْ قَالَ: صَدَقُوا؛ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا فَيَقْضِي الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ: كَذَبُوا؛ لَا يَقْضِي.
الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُمْ عُدُولٌ فَلَمَّا شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنْكَرَ مَا شَهِدُوا بِهِ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا: هُمْ عُدُولٌ، لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَ عَدْلًا قَبْلَ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ تَبَدَّلَ حَالُهُ.
رَجُلٌ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِحَقٍّ فَعَدَلَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: هُوَ عَدْلٌ إلَّا أَنَّهُ غَلِطَ أَوْ أَوْهَمَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، فَإِنْ عَدَلَ الشَّاهِدُ الثَّانِي قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: غَلِطَ أَوْ أَوْهَمَ لَيْسَ بِجَرْحٍ فَإِذَا عُدِّلَ الشَّاهِدُ الثَّانِي ثَبَتَ عَدَالَتُهُمَا فَجَازَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ: الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ حَقٌّ، أَوْ قَالَ: الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ هُوَ الْحَقُّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ حَقٌّ أَوْ قَالَ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ هَذَا عَلَيَّ هُوَ الْحَقُّ، فَلَمَّا شَهِدَا عَلَيْهِ قَالَ لِلْقَاضِي: سَلْ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيَّ بِبَاطِلٍ وَمَا كُنْتُ أَظُنُّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَيَّ بِمَا شَهِدَا بِهِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَيَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ عُدِّلَا قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعَدِّلَا لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانُ عَلَيَّ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ إقْرَارٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ وَالْإِقْرَارِ، وَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ إقْرَارًا لَمْ يُوجَدْ التَّعْدِيلُ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمَا سَأَلَ وَلَا يَقْضِي قَبْلَ السُّؤَالِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ: تَزْكِيَةُ السِّرِّ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ، فَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ: أَنْ يَحْضُرَ الْمُعَدِّلُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ بِحَضْرَتِهِمْ فَيُزَكِّيهِمْ وَيَقُولُ بِحَضْرَتِهِمْ: هَؤُلَاءِ عُدُولٌ. وَالتَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي الْمُعَدِّلَ عَنْ الشَّاهِدِ فِي السِّرِّ فَيُعَدِّلَهُ أَوْ يَجْرَحَهُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَوْلُهُ: هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا وَقَوْلُهُ: فِي عِلْمِي أَوْ أَعْلَمُهُ عَدْلًا، يَصِحُّ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِذَا قَالَ الْمُزَكِّي: هُمْ عُدُولٌ، فَهَذَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هُمْ ثِقَاتٌ، فَالْقَاضِي لَا يَكْتَفِي بِهِ فَقَدْ يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الْمَسْتُورِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: إنَّهُ تَعْدِيلٌ وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا فَقَدْ ذُكِرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ تَعْدِيلٌ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute