للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَعْدِيلٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُزَكِّيَ إذَا كَانَ عَالِمًا بَصِيرًا يَكْتَفِي بِهِ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ لَا يَكْتَفِي بِهِ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَصْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ لَا يَكُونُ هَذَا تَعْدِيلًا، وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ فِيمَا عَلِمْنَا، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ تَعْدِيلٌ.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا بَلْ يَكُونُ جَرْحًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَتَعْدِيلُ السِّرِّ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي فِي الرُّقْعَةِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَحِلَاهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ وَمَحَالَّهُمْ وَسُوقَهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ السُّوقِيَّةِ فَيَدْفَعُ إلَى الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ فَيَسْأَلُ أَهْلَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَأَمَّا الْعَلَانِيَةُ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي الطَّالِبَ فَيَأْتِي بِقَوْمٍ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَلَا بُدَّ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ وَيَكْتَفِي بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ أَوْثَقَ النَّاسِ وَأَوْرَعَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَكْثَرَهُمْ بِالنَّاسِ خِبْرَةً وَأَعْلَمَهُمْ بِالتَّمْيِيزِ غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بَيْنَ النَّاسِ كَيْ لَا يُقْصَدُوا بِسُوءٍ أَوْ يُخْدَعُوا.

وَيَنْبَغِي لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَيَتَعَرَّفَهَا مِنْ جِيرَانِهِمْ وَأَهْلِ سُوقِهِمْ، فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الرُّقْعَةِ هُوَ عَدْلٌ عِنْدِي جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا كَتَبَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَخَتَمَ الرُّقْعَةَ وَرَدَّهَا فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: زِدْ فِي شُهُودِك، وَلَا يَقُولُ: جُرِحُوا، أَوْ يَقُولُ: لَمْ تُحْمَدْ شُهُودُك عِنْدِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَالسَّتْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ لَوْ جَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَذَلِكَ أَحْسَنُ وَتَفْسِيرُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُزَكِّيَ إذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ فِي السِّرِّ فَالْقَاضِي يَجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّي فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقُولُ لِلْمُزَكِّي: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَكَّيْتَهُمْ؟ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ فِي الْعَلَانِيَةِ هُوَ الْمُعَدِّلُ فِي السِّرِّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا احْتَاطَ الْقَاضِي وَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَعَ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَلَا يُعْلِمُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ حَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَرَّحَهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ عَدَّلَهُ الثَّانِي تَعَارَضَا وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا، فَإِنْ عَدَّلَهُ الثَّالِثُ فَالْعَدَالَةُ أَوْلَى وَإِنْ جَرَّحَهُ الثَّالِثُ صَارَ الْجَرْحُ أَوْلَى، وَالتَّعْرِيفُ كَالتَّعْدِيلِ وَيَصِحُّ كِلَاهُمَا مِنْ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ لَا يَصِحُّ لِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَلَا تَعْدِيلُ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ، وَيَصِحُّ تَعْدِيلُ السِّرِّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيُشْتَرَطُ لِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَالشُّهُودُ الْكُفَّارُ يُعَدِّلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ الْمُسْلِمُونَ سَأَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ عُدُولِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ يَسْأَلُ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الشُّهُودِ وَتَزْكِيَةُ الْمُدَّعِي لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَاثْنَانِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>