للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَرْحِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ تَعَصُّبٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ جَرْحُهُمْ. وَلَوْ عَرَفَ فِسْقَ الشَّاهِدِ فَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ وَلَا يَدْرِي مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُجَرِّحَهُ وَالشَّاهِدَانِ لَوْ عُدِّلَا بَعْدَمَا مَاتَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ غَابَا ثُمَّ عُدِّلَا وَلَوْ خَرِسَا أَوْ عَمِيَا ثُمَّ عُدِّلَا لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُعَدِّلُ فَقِيرًا وَلَا طَمَّاعًا حَتَّى لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا يَعْرِفُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ وَأَسْبَابَ التَّعْدِيلِ، وَإِنْ وَجَدَ عَالِمًا فَقِيرًا وَغَنِيًّا غَيْرَ عَالِمٍ يَخْتَارُ الْعَالِمَ، وَإِنْ وَجَدَ عَالِمًا ثِقَةً لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَوَجَدَ ثِقَةً غَيْرَ عَالِمٍ يُخَالِطُ النَّاسَ يَخْتَارُ الْعَالِمَ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ لَا يَقْدَمُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهُوَ بِعِلْمِهِ يَقْدِرُ عَلَى الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَغَيْرُ الْعَالِمِ لَا يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فَكَانَ الْعَالِمُ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُزَكِّي مُغَفَّلًا وَلَا مُنْزَوِيًا لَا يُخَالِطُ النَّاسَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُغَفَّلًا أَوْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يَعْرِفُ مُعَامَلَتَهُمْ وَلَا يَنْكَشِفُ لَهُ حَالُهُمْ وَلَا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ، وَالْعَدَدُ فِي الْمُزَكَّى وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكَّى وَفِي الْمُتَرْجِمِ عَنْ الْأَعْجَمِيِّ وَعَنْ الشَّاهِدِ أَوْ الْخَصْمِ الْأَعْجَمِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعَدَدُ شَرْطٌ وَالْوَاحِدُ لَا يَكْفِي وَيَكْفِيهِ الِاثْنَانِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ حَقًّا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْعَدَدِ مِنْ سَائِرِ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ سِوَى التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْبُلُوغِ وَالْبَصَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ شَرْطٌ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَالْعَدَدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. التُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى ذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَى جَرْحٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً ثِقَةً جَازَتْ تَرْجَمَتُهَا عِنْدَهُمَا كَالرَّجُلِ وَهَذَا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا فِيهِ وَأَمَّا فِيمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا فِيهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْجَمَتُهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إذَا أَرَادَ الْمُزَكَّى أَنْ يُعَدِّلَ الشُّهُودَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ ثِقَاتٌ جَائِزُو الشَّهَادَةِ.

قَالَ: هَذَا هُوَ أَبْلَغُ الْأَلْفَاظِ فِي التَّعْدِيلِ وَيَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يَخْتَارَ السُّؤَالَ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي شَرَطْنَا فِي الْمُزَكَّى قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّهُ يَسْأَلُ مِنْ جِيرَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَتَحَامَلُ هُوَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي لَا تَكُونُ يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، نَحْوُ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْجِبَايَةَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ رَفِيقَ الشَّاهِدِ وَقَرِيبَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّعْدِيلِ يَسْأَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>