للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ وَيَسَعُ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ رُشْدًا إلَى أَنْ بَلَغَ فَإِنَّهُ يَتَأَنَّى فِيهِ وَيَتَرَبَّصُ مُدَّةً يَظْهَرُ صَلَاحُهُ وَيَقَعُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ عَدْلٌ كَمَا ذُكِرَ فِي الْغَرِيبِ، وَهَذَا الْقَائِلُ سَوَّى بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ مَا ذَكَرْنَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَصْرَانِيَّيْنِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَعُدِّلَا فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الشَّاهِدَانِ

فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَإِنْ شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَعَادَا شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُعَدِّلَ الْمُسْلِمَ عَنْ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْدِيلَ لَمْ يُعْتَبَرْ حُجَّةً عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِهِ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْدِيلُ السَّابِقُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْدِيلَ حُجَّةٌ وَقَعَ مُعْتَبَرًا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ ارْتَكَبَ مَا يَصِيرُ بِهِ سَاقِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ ثُمَّ تَابَ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَهُوَ عَلَى تَوْبَتِهِ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَدْ رَوَى ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدْ رَوَى بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْفَاسِقُ شَهِدَ وَهُوَ فَاسِقٌ ثُمَّ تَابَ وَمَضَى عَلَيْهِ زَمَانٌ وَهُوَ عَلَى تَوْبَتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ بَلْ يَأْمُرُ بِإِعَادَتِهَا فَإِنْ أَعَادَهَا وَعَدَّلَهُ الْمُعَدِّلُ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي شَهِدَ بِهَا فِي حَالِ فِسْقِهِ لِفِسْقِهِ.

وَلَوْ أَنَّ فَاسِقًا مَعْرُوفًا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ وَلَا يُرَى مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحُ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ الْقَاضِي الْمُعَدِّلَ عَنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يَجْرَحَهُ لِمَا كَانَ رَأَى فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ أَيْضًا حَتَّى تَتَبَيَّنَ عَدَالَتُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيبِ الَّذِي نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَكَذَلِكَ الَّذِي إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ عُرِفَ مِنْهُ مَا هُوَ جَرْحٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُجَرِّحَهُ؛ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُعَدِّلُهُ أَيْضًا حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَتُهُ.

قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدْلًا مَشْهُورًا بِالرِّضَا غَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَشَهِدَ وَسُئِلَ الْمُعَدِّلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَانَ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً مَسِيرَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوَهُ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا بِالرِّضَا وَالْعَدَالَةِ كَشُهْرَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَلَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا مَشْهُورًا فَالْمُعَدِّلُ لَا يُعَدِّلُهُ وَإِذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَرَفَهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَتَقَادَمَ الْعَهْدُ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَكَلَّمُوا فِي الْقَرِيبِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَرِيبٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا دُونَ السَّنَةِ قَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَإِنْ عَرَفَ الْمُزَكِّي الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ غَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>