للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَادِرٌ عَلَى الدَّعْوَى فَلَا يُسْتَحْلَفُ بِدُونِ دَعْوَاهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.

وَذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ فِي الْجِنْسِ الرَّابِعِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يُحَلِّفُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُحَلِّفُ فَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي قَوْلُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الِاسْتِحْلَافَ يَسْتَحْلِفُهُ مَا قَبَضْته وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا ارْتَهَنْت بِهِ مِنْهُ رَهْنًا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا احْتَلْت بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا نَعْلَمُ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَك قَبَضَ هَذَا الْمَالَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ.

وَإِنْ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ وَلَا وَصَلَ إلَيْك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ أَحْوَطَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ هَذَا الْوَارِثِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى أَبِيك هَذَا الْمَالَ الَّذِي ادَّعَى وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ.

فَإِنْ حَلَفَ انْتَهَى الْأَمْرُ وَإِنْ نَكَلَ يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ نَصِيبِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى الْأَبِ أَوْ أَنْكَرَ فَلَمَّا حَلَفَ نَكَلَ حَتَّى صَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِلْ إلَيَّ شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ: لَا بَلْ وَصَلَ إلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْك مِنْ مَالِ أَبِيك هَذَا الْأَلْفُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ حَلَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

هَذَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ حَلَّفَهُ عَلَى الْوُصُولِ فَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مِنْ الِابْتِدَاءِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ هَذَا الْوَارِثَ عَلَى الدَّيْنِ قَالَ لَهُ الْوَارِثُ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيَّ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ شَيْءٌ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي وَقَالَ: لَا بَلْ وَصَلَ إلَيْك مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ كَذَا وَكَذَا أَوْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ هَذَا أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْوَارِثِ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى الدَّيْنِ.

وَفِي الْكُبْرَى وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا: لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَارِثُ قَبْلَ ظُهُورِ الْمَالِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ يُفْتِي فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْنُ الدَّيْنَ وَوُصُولَ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى يَدِهِ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوُصُولِ جَمِيعًا لَمْ يَذْكُرْ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيك وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى أَبِيك دَيْنًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى؛ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إنْ أَقَرَّ بِمَوْتِ الْأَبِ.

وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ مَوْتَ الْأَبِ وَوُصُولَ التَّرِكَةِ إلَيْهِ وَأَرَادَ الْغَرِيمُ اسْتِحْلَافَهُ فَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَجَابَ فِيهَا أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْوُصُولِ وَالْمَوْتِ يَمِينًا وَاحِدَةً لَكِنْ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاك مَاتَ وَلَا وَصَلَ إلَيْك شَيْءٌ مِنْ مِيرَاثِهِ؛ وَبِهِ أَخَذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>