للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِيَسْتَأْنِسَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ.

الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ دَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضٌ أَوْ عَقَارٌ أَوْ دَنَانِيرُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ. وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِي الدَّيْنَ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى التَّرْتِيبِ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْعُرُوضَ ثُمَّ وَثُمَّ وَيَقْضِي دَيْنَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ إذَا ظَفِرَ بِدَرَاهِمَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَالْقَاضِي يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ بِدَيْنِهِ وَلَكِنْ يَبْدَأُ بِدَنَانِيرِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْ ذَلِكَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ أَوَّلًا دُونَ الْعَقَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِدِينِهِ وَفَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهُ حِينَئِذٍ يَبِيعُ الْعَقَارَ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُ الْعَقَارَ أَصْلًا، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمَا: يَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ وَالتَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا لَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ وَإِذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ فَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا يَبْقَى ثَوْبًا يَلْبَسُهُ.

وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِمَا دُونِ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا لِنَفْسِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: إنَّهُ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ، حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ اللَّبَدَ فِي الصَّيْفِ وَالنَّطَعَ فِي الشِّتَاءِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَانُونٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ يَبِيعُهُ وَيَتَّخِذُ كَانُونًا مِنْ طِينٍ ثُمَّ أَيُّ قَدْرٍ يُتْرَكُ لِلْمَدْيُونِ مِنْ مَالِهِ وَيُبَاعُ مَا سِوَاهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: قَالَ: يُتْرَكُ ثِيَابُهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُتْرَكُ ثِيَابُهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُبَاعُ جَمِيعُ مَالِهِ وَيُؤَاجَرُ وَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ إلَى غُرَمَائِهِ، وَفِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُؤَاجَرُ، إلَّا رِوَايَةً رُوِيَتْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ إنْ أَجَّرَ هُوَ نَفْسُهُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ وَيُصْرَفُ مَا سِوَى ذَلِكَ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَمِنْ الْقُضَاةِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَرِّ يُبَاعُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْبَرْدِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ مِنْ الْبَرْدِ حَتَّى لَا يُبَاعَ جُبَّتُهُ وَعِمَامَتُهُ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ.

وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يُتْرَكُ لَهُ دست مِنْ الثِّيَابِ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَبِهِ أَخَذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>