أَحَدُهُمَا وَجَرَحَهُمْ الْآخَرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْجَرْحُ أَوْلَى كَمَا لَوْ عَدَّلَهُمْ اثْنَانِ وَجَرَحَهُمْ اثْنَانِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ جَرَحَهُمْ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُمْ اثْنَانِ تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ جَرَحَهُمْ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمْ عَشَرَةٌ كَانَ الْجَرْحِ أَوْلَى، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ وَطُعِنَ فِيهِمْ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُصَرِّحَ لِلْمُدَّعِي بِأَنَّ شُهُودَكَ جُرِحُوا بَلْ يَقُولُ لَهُ زِدْ فِي شُهُودِكَ، أَوْ يَقُولُ لَهُ لَمْ يُحْمَدْ شُهُودُكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَا آتِي بِمَنْ يُعَدِّلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، أَوْ قَالَ لِلْقَاضِي أُسَمِّي لَكَ أَقْوَامًا مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ فَاسْأَلْ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فَسَمَّى لَهُ قَوْمًا يَصْلُحُونَ لِلْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ، فَإِنْ جَاءَ بِقَوْمٍ وَعَدَّلُوا، أَوْ سَأَلَ أُولَئِكَ فَعَدَّلُوا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَعَنُوا فِيهِمْ بِمَ تَطْعَنُونَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جَرَحُوهُمْ بِشَيْءٍ يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَهُمْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَرْحًا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ الْمُعَدِّلِينَ فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُبَيِّنُوا كَذَلِكَ، أَوْ يُبَيِّنُوا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْكُلِّ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ الَّذِينَ عَدَّلُوا وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي الْجَرْحُ أَوْلَى، كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَهَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ.
وَكَذَا لَوْ عَدَّلَ الْمُزَكِّي الشُّهُودَ وَطَعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِلْقَاضِي سَلْ عَنْهُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى قَوْمًا يَصْلُحُونَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ، فَإِنْ جَرَحُوا، أَوْ بَيَّنُوا جَرْحًا صَالِحًا كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يُعَدِّلُ شُهُودَهُ؟ قَالَ: لَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
لَوْ ثَبَتَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا لَا يَشْتَغِلُ بِتَعْدِيلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَشْتَغِلُ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا وَالصَّحِيحُ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالشَّاهِدَانِ لَوْ عُدِّلَا بَعْدَمَا مَاتَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ غَابَا ثُمَّ عُدِّلَا، وَلَوْ خَرِسَا، أَوْ عَمِيَا، ثُمَّ عُدِّلَا لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدْلًا مَشْهُورًا بِالرِّضَا غَابَ، ثُمَّ حَضَرَ وَشَهِدَ وَسُئِلَ الْمُعَدِّلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَانَ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً مَسِيرَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بِالرِّضَا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَالْمُعَدِّلُ لَا يُعَدِّلُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحُ وَالِاسْتِقَامَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا أُوَقِّتُ فِيهِ وَقْتًا، وَهُوَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَوْ أَنَّ صَبِيًّا بَلَغَ وَشَهِدَ شَهَادَةً فَحُكْمُهُ