يَبِيعَكَ ثَوْبِي الَّذِي عِنْدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لِفُلَانٍ فِي بَيْعِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إنْ أَعْلَمَهُ الْمُخَاطَبُ بِمَا قَالَهُ الْمَالِكُ جَازَ بَيْعُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا الثَّوْبِ إلَى الْقَصَّارِ حَتَّى يُقَصِّرَهُ أَوْ إلَى الْخَيَّاطِ حَتَّى يَخِيطَهُ قَمِيصًا فَهُوَ إذْنٌ مِنْهُ لِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، حَتَّى لَا يَصِيرَ ضَامِنًا بِعَمَلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ.
وَفِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ حَتَّى يُعْتِقَكَ أَوْ حَتَّى يُكَاتِبَكَ فَأَعْتَقَهُ فُلَانٌ جَازَ، وَيَصِيرُ فُلَانٌ وَكِيلًا بِالْعَتَاقِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: انْطَلِقِي إلَى فُلَانٍ حَتَّى يُطَلِّقَكِ فَطَلَّقَهَا فُلَانٌ وَلَمْ يَعْلَمْ يَقَعُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ.
وَعِلْمُ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ شَرْطُ عَمَلِ الْوَكَالَةِ، حَتَّى إنَّ مَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يَعْلَمُ فَطَلَّقَ أَوْ بَاعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا طَلَاقُهُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ إذَا وَكَّلَ إنْسَانًا لَا يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
إنْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا وَكَّلَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا بِتَقَاضِي دَيْنٍ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ وَكِيلُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِطَلَبِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إذَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَبْضِ وَدِيعَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِخُصُومَةٍ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ، وَإِذَا الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ وَكَذَا فِي الْحَاوِي.
وَتَجُوزُ وَكَالَةُ الْمُرْتَدِّ بِأَنْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ مُرْتَدًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَتَبْطُلُ وَكَالَتُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَجُلٍ فَوَكَّلَ الْمُشْتَرِي رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي شَرِيكَ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ وَهُوَ مُفَاوَضَةٌ، أَوْ وَكَّلَ شَرِيكَ عِنَانٍ وَهُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا قَالَ ثَمَّةَ: كُلُّ مَنْ كُنْتُ أُجِيزَ بَيْعَهُ فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِمُشْتَرِيهِ فِي قَبْضِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْتَأْمَنًا بِخُصُومَةٍ، ثُمَّ لَحِقَ الْمُوَكِّلُ بِالدَّارِ وَبَقِيَ الْوَكِيلُ يُخَاصِمُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي لِلْحَرْبِيِّ الْحَقَّ قُبِلَتْ الْخُصُومَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِي الْقِيَاسِ تَنْقَطِعُ الْوَكَالَةُ حِينَ يَلْحَقُ بِالدَّارِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُصُومَةِ الْقَضَاءُ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامٍ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَأْمَنُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ مَتَاعٍ أَوْ تَقَاضِي دَيْنٍ سِوَى الْخُصُومَةِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(وَمِنْهَا) مَا يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحُقُوقَ نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ، وَحَقُّ اللَّهِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنْهُ تَكُونُ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا كَحَدِّ الْقَذْفِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ، فَهَذَا النَّوْعُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِثْبَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَيَجُوزُ فِي الِاسْتِيفَاءِ