للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَقِلَّةٌ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ لَا يَفْسَخُهُ الْقَاضِي إذَا اخْتَصَمَا إلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَسَخَهُ الْقَاضِي إذَا اخْتَصَمَا إلَيْهِ فَأَقَالَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهُوَ مَالٌ لِلْوَاهِبِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَقْبَلُ الْإِقَالَةَ وَالْفَسْخَ فَيَجْعَلُ إقَالَةَ الصَّدَقَةِ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً وَهِبَةً مُبْتَدَأَةً، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ تَنَاقَضَا الصَّدَقَةَ فَمَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُتَصَدِّقُ فَإِنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي هِبَةٍ كَانَتْ الْمُنَاقَضَةُ جَائِزَةً، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.

عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ أَعْطَى رَجُلًا دَارًا عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا صَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَنِصْفَهَا هِبَةٌ وَقَبَضَ الرَّجُلُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى حِدَةٍ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

إذَا تَصَدَّقَ بِدَارِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَعَلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: تَصَدَّقْتُ عَلَيْكِ وَعَلَى غُلَامِي أَوْ قَالَ عَلَيْكِ وَعَلَى نَفْسِي بِهَذِهِ الدَّارِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْتُ عَلَيْكِ وَعَلَى الرَّجُلِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ إنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ: تَصَدَّقْتُ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَى بَنِيَّ الصِّغَارِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَكَانَ بَعْضُهُمْ مَيِّتًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ هَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ جَازَتْ الصَّدَقَةُ وَكُلُّهَا لِلْحَيِّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِيجَابَ إذَا وَقَعَ لِمَنْ يَمْلِكُ وَلِمَنْ لَا يَمْلِكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ الْإِيجَابُ بِكَمَالِهِ لِمَنْ يَمْلِكُ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ أَصْلًا فَيَجُوزُ الْإِيجَابُ، وَإِذَا وَقَعَ الْإِيجَابُ لِشَخْصَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَمْلِكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَالْإِيجَابُ يَكُونُ لَهُمَا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَيَمْنَعُ جَوَازَ الْإِيجَابِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الشُّيُوعَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَانِعًا، هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَالْمُتَصَدِّقُ وَارِثُهُ فَوَرِثَ تِلْكَ الصَّدَقَةَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِي الْإِصَابَةِ مِنْهَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

إذَا قَالَ: جَعَلْتُ غَلَّةَ دَارِي هَذِهِ صَدَقَةً فِي الْمَسَاكِينِ، أَوْ قَالَ دَارِي هَذِهِ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ، فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ تَنْفِيذِ الصَّدَقَةِ فَالدَّارُ وَالْغَلَّةُ مِيرَاثٌ عَنْهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا أَجْزَأَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَمَنْ قَالَ: مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَالنَّقْدَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَدْخُلُ وَلَا تَدْخُلُ الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةُ وَلَا يَدْخُلُ الرَّقِيقُ لِلْخِدْمَةِ وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ " مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ " يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ: مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَيُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمَا أَمْسَكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ عِيَالِهِ وَكَثْرَتِهِمْ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُحْتَرِفًا يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ غَلَّةٍ أَمْسَكَ قُوتَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضِيَاعٍ أَمْسَكَ قُوتَ سَنَةٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَذَكَرَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَلَهُ دَرَاهِمُ عَلَى النَّاسِ لَا يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَهُ دُيُونٌ وَلَا نِيَّةَ دَخَلَ وَدَخَلَ فِيهِ أَرْضُ الْعُشْرِ دُونَ الْخَرَاجِ وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَتَصَدَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا فِيهِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَمْلِكُ دَخَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَثِيَابُهُ وَمَتَاعُ الْبَيْتِ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.

وَلَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ إنْ فَعَلْتُ كَذَا، فَفَعَلَ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَدْخُلُ إلَّا الصَّامِتُ وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.

قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا قَالَ " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي أَوْ جَمِيعَ مِلْكِي " يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَمْلِكُ وَقْتَ النَّذْرِ فَيَجِبُ أَنْ يُهْدِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَّا قَدْرَ قُوتِهِ فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>