للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فَهُمَا أَفْتَيَا بِصِحَّةِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَإِذَا صَارَ السَّفِيهُ مُصْلِحًا لِمَالِهِ بَعْدَمَا كَانَ مُفْسِدًا هَلْ يَزُولُ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي؟ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَزُولُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، حَتَّى لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِزَوَالِ الْحَجْرِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَزُولُ الْحَجْرُ إذَا صَارَ مُصْلِحًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ بِسَبَبِ إفْسَادِ الْمَالِ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَمْ يَرْتَفِعْ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا وَإِنْ صَارَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

الْيَتِيمُ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ رَشِيدًا وَمَالُهُ فِي يَدِ وَصِيِّهِ أَوْ وَلِيِّهِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ، وَإِنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَا شَاءَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ بَلْ يَمْنَعُ عَنْهُ، وَإِنْ بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً أَوْ تِسْعِينَ مَا لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَإِنْ بَلَغَ الْيَتِيمُ سَفِيهًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَنْفُذْ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ بَعْدَمَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لَا تَنْفُذْ تَصَرُّفَاتُهُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِي مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا كَانَ خَيْرًا لِلْمَحْجُورِ بِأَنْ رَبِحَ فِيمَا بَاع وَالثَّمَنُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ أَوْ حُوبِيَ فِيمَا اشْتَرَى، فَإِنْ بَلَغَ الْيَتِيمُ مُصْلِحًا فَاتَّجَرَ بِمَالِهِ وَأَقَرَّ بِدُيُونٍ وَوَهَبَ وَتَصَدَّقَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ فَسَدَ وَصَارَ بِحَالٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ، فَمَا صَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَبْلَ الْفَسَادِ تَكُونُ نَافِذَةً، وَمَا صَنَعَ بَعْدَمَا فَسَدَ تَكُونُ بَاطِلَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي يُمْضِي مَا فَعَلَ قَبْلَ الْفَسَادِ وَيُبْطِلُ مَا فَعَلَ بَعْدَ الْفَسَادِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَفْسِ الْفَسَادِ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَيُمْضِي مَا فَعَلَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَهُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

قَالَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمَحْجُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ جَائِزٌ وَفِي مَالِ الْمَحْجُورِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمَحْجُورِ وَتَدْبِيرَهُ وَتَطْلِيقَهُ وَنِكَاحَهُ جَائِزٌ، وَمِنْ الصَّبِيِّ بَاطِلٌ، وَإِنْكَاحُ الْمَحْجُورِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ الصَّغِيرَةَ لَا يَجُوزُ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَحْجُورَ إذَا أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَمِنْ الصَّبِيِّ لَا تَجُوزُ، وَالرَّابِعُ جَارِيَةُ الْمَحْجُورِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّبِيِّ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَإِنْ بَلَغَ الْيَتِيمُ سَفِيهًا غَيْرَ رَشِيدٍ فَقَبْلَ أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مَحْجُورًا مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ حُضُورُ مَنْ يُرِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بَلْ يَصِحُّ الْحَجْرُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا إلَّا أَنَّ الْغَائِبَ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَجَرَ عَلَيْهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْكَافِي.

قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى هَذَا الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَجْرِ شَيْئًا أَوْ بَاعَهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ، ثُمَّ إذَا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعَ رَغْبَةٍ يَكُونُ فِيهِ تَوْفِيرُ النَّظَرِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ الْبَيْعَ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْهَى الْمُشْتَرِي عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازَ الْقَاضِي الْبَيْعَ وَنَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْرَأْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ أَجَازَ الْقَاضِي الْبَيْعَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَنْهَهْ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ يَجُوزُ وَيَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَجَازَ الْبَيْعَ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: نَهَيْتُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَالنَّهْيُ بَاطِلٌ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ جَازَ وَيَبْرَأُ عَنْهُ، فَإِنْ بَلَغَ الْمُشْتَرِي نَهْيُ الْقَاضِي الْآنَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ حُكْمُ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَثْبُتُ، حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ.

وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>