غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا: بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: بِأَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَنْفُذُ عِتْقُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعٌ لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ هَلْ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِي أَكْسَابِهِ؟ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَمْنَعُ إنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: يَمْنَعُ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَمْنَعُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَلَكِنْ يَمْنَعُ الْمَوْلَى عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدًا مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا كَانَ لِلْغَرِيمِ إتْبَاعُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُعْتِقِ، وَهُوَ الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَأْذُونُ وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ حَالَ إعْسَارِ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ لَمْ يُعْتَقُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يُعْتَقُوا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُمْ وَيَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ مِنْ ثَمَنِهِمْ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَهُمْ أَحْرَارٌ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ أَبْرَءُوهُمْ مِنْ الدِّينِ أَوْ بَاعُوهُمْ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِمْ، وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُمْ لِلْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَسَعَوْا فِي قِيمَتِهِمْ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَرَجَعُوا بِذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَلَوْ لَحِقَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، وَأَخَذَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَاسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ إتْبَاعَ الْعَبْدِ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الدَّيْنَ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْمَوْلَى فِي الْمَالِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ الدَّيْنِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمَوْلَى أَتْبَعَهُ الْعَبْدُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا أَدَّى، وَمَا فَضَلَ مِنْهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى، كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُوفِ الْعَبْدُ الدَّيْنَ، وَلَكِنَّ الْغُرَمَاءَ أَبْرَءُوهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ، كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا، وَأَخَذَ مِنْهَا مَالَهَا وَوَلَدهَا وَأَرْشَ يَدِهَا، وَقَدْ كَانَ الدَّيْنُ لَحِقَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالْجِنَايَةِ ثُمَّ حَضَرَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مَالَهَا لِتَقْضِيَ دَيْنَهَا، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْوَلَدِ وَالْأَرْشِ إنْ كَانَ لَمْ يَعْتِقْهَا، وَلَكِنْ تُبَاعُ فَيَقْضِي مِنْ ثَمَنِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْيَدِ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يُبَاعُ وَلَدُهَا فِي دَيْنِهِمْ أَيْضًا، وَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمَوْلَى الْأَرْشَ أَيْضًا ثُمَّ يَتْبَعُونَ الْأَمَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا أَتْبَعُوهَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَتَرَكُوا إتْبَاعَ الْمَوْلَى فَإِنْ أَتْبَعُوهَا بِدَيْنِهِمْ فَأَخَذُوهُ مِنْهَا سُلِّمَ لِلْمَوْلَى وَلَدُ الْأَمَةِ، وَمَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ يَدِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ كَمَا لَا تَرْجِعُ بِقِيمَةِ نَفْسِهَا، وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْغُرَمَاءُ بِدَيْنِهِمْ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ أَخَذُوا الثَّمَنَ وَأَتْبَعُوا الْجَارِيَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا أَتْبَعُوهَا بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَإِنْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهَا سَلِمَ لِلْمَوْلَى الثَّمَنُ، كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى كَاتَبَهَا بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا جَمِيعَ مَا يَقْبِضُ الْمَوْلَى مِنْ الْمُكَاتَبَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِمْ مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً فَإِنْ قَبَضَ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ وَعَتَقَتْ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْمُكَاتَبَةَ مِنْ السَّيِّدِ ثُمَّ أَتْبَعُوا الْأَمَةَ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الْأَمَةَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِمْ فَإِنْ أَخَذُوهُ مِنْهَا سُلِّمْت الْمُكَاتَبَةُ لِلْمَوْلَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَلَهُ مَتَاعٌ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَتْلَفَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُعْتَقَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قِيمَةَ الْمَتَاعِ، وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْغُرَمَاءِ، فَقَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْمَوْلَى: قَدْ أَعْتَقْته فَلَنَا عَلَيْك الْقِيمَةُ، وَقَالَ الْمَوْلَى: لَمْ أَعْتِقْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، وَيُبَاعُ الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ وَإِقْرَارُهُمْ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ لَا يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْعَبْدِ، إذَا بَقِيَ دُيُونُهُمْ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ إقْرَارِهِمْ بِالْإِعْتَاقِ يُبَاعُ الْعَبْدُ بِدُيُونِهِمْ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الْمَدْيُونُ إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute