وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَيَرِثُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَيُقَاصُّ بِهَا مِيرَاثَهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَأَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا، فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُحَابَاةُ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الثُّلُثَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا يَرِثُ الِابْنُ شَيْئًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ مُتَقَدِّمٌ إلَّا أَنَّ الِابْنَ وَارِثٌ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ وَلَكِنْ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْآخَرَ مَجَّانًا وَيَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ وَيُطَالِبُ الْبَائِعَ بِالرَّدِّ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَ قِيمَةُ الِابْنِ أَلْفًا فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَأَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ يُسَاوِي أَلْفًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَحَاصَّانِ الثُّلُثَ وَيَسْعَى الِابْنُ فِيمَا زَادَ عَلَى حِصَّتِهِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الِابْنُ وَارِثٌ وَلَا وَصِيَّةَ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَيُقَاصُّ بِهَا مِنْ مِيرَاثِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ جَعَلْتُ لَهَا الْمِيرَاثَ وَالْمَهْرَ وَأَجَزْتُ النِّكَاحَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا لَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ دَفَعَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَالثُّلُثَ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ الْمَهْرِ، ثُمَّ سَعَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - النِّكَاحُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَهُمَا حُرَّةٌ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا.
وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، ثُمَّ اسْتَدَانَ مِنْهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَرَكَ أَلْفَيْنِ سِوَى ذَلِكَ عِنْدَهُمَا هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَتَرِثُ وَلَهَا مَهْرُهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَلَهَا دَيْنُهَا الَّذِي اسْتَدَانَ مِنْهَا لِكَوْنِ سَبَبِهِ مُعَايَنًا وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لَهَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - النِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَوْفِي دَيْنَهَا مِنْ الْمَالِ، ثُمَّ لَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَقِيمَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ؛ فَلِذَلِكَ بَطَلَ النِّكَاحُ.
وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاسْتَدَانَ مِنْهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَلَا مَهْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ.
وَلَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا تَخْرُجُ هِيَ وَمَهْرُهَا مِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَلَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ وَلَا سِعَايَةَ لَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَيُعْطَى لَهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَذَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً مُعَيَّنَةً جَازَ لَهَا الْعِتْقُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ لَا بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى الْمُوصِي إنْ أَحَبَّ أَعْطَاهَا فَيَجُوزُ كَقَوْلِهِ: ضَعْ مَالِي حَيْثُ أَحْبَبْت.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِي بِكَذَا حِنْطَةً وَبِكَذَا دِرْهَمٍ عَبْدًا وَيُعْتَقُ وَلَهُ عَبْدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِي بِكَذَا وَكَذَا حِنْطَةً وَيُفَرَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَعِنْدَهُ حِنْطَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ تِلْكَ الْحِنْطَةَ الَّتِي عِنْدَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا قِيلَ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ الَّذِي كَانَ لِلْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ جَازَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: اعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: اشْتَرُوا لِي عَبْدًا فَأَعْتِقُوهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَبْدُهُ وَأَبَى الْعَبْدُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَحْلَفَ الِابْنَ فَنَكَلَ قُضِيَ بِعِتْقِهِ بِلَا سِعَايَةٍ فَإِنْ ادَّعَى الثَّانِي مِثْلَ ذَلِكَ فَنَكَلَ لَهُ عَتَقَ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ادَّعَى عِنْدَ حَكَمٍ حَكَّمَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَ الثَّانِي كُلُّهُ بِلَا سِعَايَةٍ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ إذَا ادَّعَى عِنْدَ حَكَمٍ حَكَّمَاهُ أَيْضًا، وَلَوْ ادَّعَى الْأَوَّلُ عِنْدَ حَكَمٍ حَكَّمَاهُ قَضَى عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ بِالنُّكُولِ، ثُمَّ رَفَعَ الثَّانِي الْوَارِثَ إلَى الْقَاضِي فَنَكَلَ عِنْدَهُ عَتَقَ الثَّانِي بِلَا سِعَايَةٍ فَإِنْ رَفَعَهُ الثَّالِثُ إلَى قَاضٍ أَوْ إلَى حَكَمٍ رَضِيَا بِهِ فَنَكَلَ لَهُ أَيْضًا عَتَقَ بِلَا سِعَايَةٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَتَقَ الثَّانِي عِنْدَ.