للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَيْدَ أَوْ الْحَبْسَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضَ مَالِ الْوَصِيِّ وَيَبْقَى مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ لَا يَسْعَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنْ دَفَعَ كَانَ ضَامِنًا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ فَلَوْ أَنَّ السُّلْطَانَ أَوْ الْمُتَغَلِّبَ بَسَطَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَالَ لَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَصِيٌّ مَرَّ بِمَالِ الْيَتِيمِ عَلَى جَائِرٍ وَهُوَ يَخَافُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبَرَّهُ يَنْزِعُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ فَبَرَّهُ بِمَالِ الْيَتِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ إذَا مَرَّ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنَّمَا هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ لِلْأَوْصِيَاءِ الْمُصَانَعَةَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَاخْتِيَارُ أَبِي سَلَمَةَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ يُفْتَى.

وَصِيٌّ أَنْفَقَ عَلَى بَابِ الْقَاضِي فِي الْخُصُومَاتِ مَالُ الْيَتِيمِ فَأَعْطَى عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ لَا يَضْمَنُ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: لَا يَضْمَنُ مِقْدَارَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَمَا أَعْطَى عَلَى وَجْهِ الرِّشْوَةِ كَانَ ضَامِنًا، قَالُوا: بَذْلُ الْمَالِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا يَكُونُ رِشْوَةً فِي حَقِّهِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِاسْتِخْرَاجِ حَقٍّ لَهُ عَلَى آخَر يَكُونُ رِشْوَةً.

رَجُلٌ مَاتَ وَأَوْصَى إلَى امْرَأَتِهِ وَتَرَكَ وَرَثَةً صِغَارًا فَنَزَلَ سُلْطَانٌ جَائِرٌ دَارِهِ فَقِيلَ لَهَا: إنْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا اسْتَوْلَى عَلَى الدَّارِ أَوْ الْعَقَارِ فَأَعْطَتْ شَيْئًا مِنْ الْعَقَارِ قَالُوا: تَجُوزُ مُصَانَعَتُهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ فِي مَسَائِلِ الْمِيرَاثِ الْوَصِيُّ إذَا طُولِبَ بِجِبَايَةِ دَارِ الْيَتِيمِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ ازْدَادَتْ الْمُؤْنَةُ فَدَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ جِبَايَةَ دَارِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَالْمُصَانَعَةِ.

سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنَتَيْنِ وَعُصْبَةً فَطَالَبَ السُّلْطَانُ التَّرِكَةَ فَغَرِمَ الْوَصِيُّ لِلسُّلْطَانِ دَرَاهِمَ حَتَّى تَرَكَ السُّلْطَانُ التَّعَرُّضَ كَانَ مَا أَعْطَى مِنْ نَصِيبَ الْعُصْبَةِ خَاصَّةً أَوْ مِنْ جَمِيعِ الْمِيرَاثِ، قَالَ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْوَصِيُّ عَلَى تَحْصِينِ التَّرِكَةِ إلَّا بِمَا غَرِمَ فَذَلِكَ مَحْسُوبٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْمُحِيطِ.

وَصِيٌّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى الْيَتِيمِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَصْلُحُ لِذَلِكَ جَازَ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ لَا بُدَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَكَلَّفَ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ.

وَيَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي النَّفَقَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَافِ وَلَا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيقِ وَذَلِكَ مُتَفَاوِتٌ بِقِلَّةِ مَالِ الصَّغِيرِ وَكَثْرَتِهِ وَاخْتِلَافِ حَالِهِ فَيَنْظُرُ فِي مَالِهِ وَحَالِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ قَدْرَ مَا يَلِيقُ بِهِ. وَصِيٌّ يَخْرُجُ فِي عَمَلِ الْيَتِيمِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِمَالِ الْيَتِيمِ لِيَرْكَبَ وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَعَنْ نُصَيْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَوَائِجِ الْيَتِيمِ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُحْتَاجًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا يَسْعَى فِي مَالِهِ.

وَصِيٌّ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ جَازَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ قَالَ: لَوْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَأَنْفَقَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ لَهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِيَ لِلْيَتِيمِ شَيْئًا ثُمَّ يَقُولَ لِلشُّهُودِ: كَانَ لِلْيَتِيمِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَا أَشْتَرِي هَذَا لَهُ - فَيَصِيرُ قِصَاصًا وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبَاعَ الْعَبْدَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي جَمِيعِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ.

وَلَوْ قَسَّمَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ ثُمَّ أَصَابَ صَغِيرًا مِنْ الْوَرَثَةِ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ بِهِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ وَيَرْجِعُ الصَّغِيرُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَفِي يَدِهِ وَدَائِعُ لِقَوْمٍ شَتَّى وَتَرَكَ أَمْوَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَقَبَضَ الْوَصِيُّ الْوَدَائِعَ مِنْ مَنْزِلِ الْمَيِّتِ لِيَرُدَّهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>