وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَكْتُبُونَ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ يَعْنِي الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ أَنَّكَ كُنْتَ مَمْلُوكًا لِي إلَى أَنْ أُعْتِقُكَ فَأَعْتَقْتُكَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبِ ثَوَابِهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ لَا عِلَّةَ بِي مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ جَائِزُ الْأُمُورِ أَعْتَقْتُكَ عِتْقًا جَائِزًا نَافِذًا بَتَّا بَتْلًا لَمْ أَشْتَرِطْ عَلَيْكَ شَرْطًا، وَلَا اخْتَلَفْتُ مِنْكَ مَالًا فَصِرْتَ بِهِ حُرًّا، لَكَ مَا لِلْأَحْرَارِ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ لَا سَبِيلَ لِي، وَلَا لِأَحَدٍ عَلَيْكَ وَلِي وَلَاؤُكَ وَوَلَاءُ عِتْقِكَ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَإِنَّمَا كَتَبُوا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إذَا أَعْتَقَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً لَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ، وَإِنَّمَا كَتَبُوا أَنَا يَوْمئِذٍ صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ بِي مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَعِتْقَ الصَّحِيحِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ " أَوْ غَيْرِهِ " الْجُنُونَ وَالْعَتَهَ وَالْحَجْرَ بِسَبَبِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْعَتَهَ وَالْجُنُونَ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْعَتَاقِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْحَجْرَ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا كَتَبُوا عِتْقًا نَافِذًا بَتًّا بَتْلًا حَتَّى لَا يَدَّعِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَوَقُّفَ الْعِتْقِ أَوْ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا كَتَبُوا: لَمْ أَشْرِطْ عَلَيْكَ شَرْطًا، وَلَا اخْتَلَفْتُ مِنْكَ مَالًا قَطْعًا لِلدَّعْوَى وَالْمُنَازَعَةِ، وَإِنَّمَا كَتَبُوا: صِرْتَ بِهِ حُرًّا، لَكَ مَا لِلْأَحْرَارِ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ التَّأْكِيدِ، وَإِنَّمَا كَتَبُوا وَلِي وَلَاؤُكَ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَبَيَانًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَكَتَبُوا وَلَاءَ عِتْقِهِ، هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكْتُبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ يَكْتُبُ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَتَاقًا جَائِزًا نَافِذًا عَلَى كَذَا دِينَارًا وَقَبِلَ هَذَا الْعَبْدُ هَذَا الْعِتْقَ بِهَذَا الْمَالِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى قَبَضَ الْمَالَ يَكْتُبُ وَقَبَضَ الْمُعْتِقُ هَذَا الْمَالَ بِإِيفَاءِ الْمُعْتَقِ هَذَا ذَلِكَ إيَّاهُ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَرَاءَةَ قَبْضٍ وَاسْتِيفَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الْمَالَ يَكْتُبُ فَجَمِيعُ هَذَا الْمَالِ دَيْنٌ عَلَى هَذَا الْمُعْتَقِ لِهَذَا الْمَوْلَى، لَا بَرَاءَةَ لِهَذَا الْمُعْتَقِ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ لِهَذَا الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا سَبِيلُ الْوَلَاءِ وَطَلَبُ الْجُعْلِ، وَذَلِكَ فِي تَارِيخِ كَذَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً هُمَا لَهُ وَبَيْنَهُمَا نِكَاحٌ وَلَهُمَا أَوْلَادٌ أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً) يَكْتُبُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَيُسَمِّيهِ وَيُحَلِّيهِ وَأَمَتَهُ فُلَانَةَ وَيُسَمِّيهَا وَيُحَلِّيهَا وَهُمَا زَوْجَانِ وَأَعْتَقَ أَوْلَادَهُمَا مَعَهُمَا وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُمْ جَمِيعًا أَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا.
(وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَقَدْ أَعْتَقَاهُ أَوْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا) يَكْتُبُ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ لِمَمْلُوكِهِمَا فُلَانٍ أَنَّكَ كُنْتَ مَمْلُوكَنَا، وَقَدْ أَعْتَقْنَاكَ وَيَكْتُبُ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعَبْدِ حَتَّى يَعْرِفَ مِقْدَارَ مَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْوَلَاءِ وَبَاقِي الْكِتَابِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ لِوَاحِدٍ وَإِذَا وَكَّلُوا رَجُلًا بِذَلِكَ يَكْتُبُ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ شَهِدُوا جَمِيعًا أَنَّ فُلَانًا وَكِيلُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُمْ فُلَانًا، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَثْلَاثًا وَأَعْتَقَهُ هَذَا الْوَكِيلُ مَجَّانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ عَلَى كَذَا إعْتَاقًا صَحِيحًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِمْ وَمِلْكِهِمْ فَصَارَ هَذَا الْعَبْدُ حُرًّا بِإِعْتَاقِ وَكِيلِهِمْ هَذَا إيَّاهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمْلَكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.
وَلَا سَبِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُوَكِّلِينَ عَلَيْهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ غَيْرُ سَبِيلِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لَهُمْ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَلِعَقِبِهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ.
(وَفِيمَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ الْمَالَ مِنْهُ لَهُمْ) يَكْتُبُ قَبُولَ الْعَبْدِ الْعِتْقَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ وَيَكْتُبُ قَبَضَ الْوَكِيلُ الْمَالَ مِنْهُ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ الْوَكِيلُ يَكْتُبُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ.
وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلسَّاكِتِ خِيَارَاتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute