للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَالَبَهُ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ وَجَدَ لِلْمُكَاتَبِ مَالًا حَاضِرًا يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى مَوْلَاهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أَجَّلَهُ الْقَاضِي يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى مَا حَلَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا رَادَّهُ فِي الرِّقِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ فَيَكْتُبَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ أَوْ عَنْ نَجْمَيْنِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَصِيرَ الرَّدُّ فِي الرِّقِّ مُجْمَعًا عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ: يَكْتُبُ فَمَا أَخَذَهُ فُلَانٌ مِنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ إنَّمَا يَكْتُبُ هَذَا حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى فُسِخَ وَعَادَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى يَلْزَمُ الْمَوْلَى رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ الْبَدَلِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا بِتَحْلِيلِ مَنْ لَهُ الْبَدَلُ وَالطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ لَا يَكْتُبُ هَذَا لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ حَلَالٌ لَهُ بِدُونِ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، ثُمَّ يَكْتُبُ: وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى هَكَذَا كَانَ يَكْتُبُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكْتُبُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَمِنْ مَذْهَبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى ثَلَّثَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ رُبْعَهُ يَعْتِقُ وَيَصِيرُ غَرِيمًا مِنْ غُرَمَاءِ الْمَوْلَى فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَمَتَى كَتَبْنَا، وَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى - حَتَّى يَتَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَانَ هَذَا شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَرُبَّمَا يَرْفَعُ إلَى قَاضٍ يَرَى مَذْهَبَهُمَا وَيَرَى فَسَادَ الْكِتَابَةِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيُبْطِلُهَا، فَذِكْرُ هَذَا يَقَعُ مُضِرًّا وَتَرْكُهُ لَا يَقَعُ مُضِرًّا فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى ثُمَّ يَكْتُبُ: وَلِفُلَانٍ وَلَاؤُهُ وَوَلَاءُ عَتِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْتُبُ: وَلَاؤُهُ، وَلَا يَكْتُبُ: وَلَاءُ عَتِيقِهِ فَإِنَّ وَلَاءَ عَتِيقِهِ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ فَإِنَّ هَذَا الْمُعْتَقَ لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ وَحَدَثَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْوَلَدَ فَإِنَّ وَلَاءَ هَذَا الْوَلَدِ لَا يَكُونُ لِمَوْلَى الْأَبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَوْلَى الْأُمِّ وَيُتِمُّ الْكِتَابَ.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ يَكْتُبُونَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَكْتُبُهُ أَبُو زَيْدٍ فَفِي الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ يَكْتُبُونَ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ شَهِدُوا جَمِيعًا أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ أَنَّهُ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ فُلَانًا الْفُلَانِيَّ يُسَمِّيهِ وَيُحَلِّيهِ عَلَى كَذَا دِرْهَمًا كِتَابَةً صَحِيحَةً جَائِزَةً نَافِذَةً حَالَّةً لَا فَسَادَ فِيهَا، وَلَا خِيَارَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إلَى الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ فَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يُؤَدِّهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَدَّى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ فَلِمَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهَا كُلَّهَا إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا سَبِيلَ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ إلَّا سَبِيلُ الْوَلَاءِ، فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِمَوْلَاهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَهُوَ لِعَقِبِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَبِلَ هَذَا الْمُكَاتَبُ مِنْهُ هَذِهِ الْكِتَابَةَ مُوَاجَهَةً وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ هَذَا فِي كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ يَوْمَ كَاتَبَهُ وَقَضَى بِصِحَّةِ هَذِهِ الْكِتَابَةِ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُتِمُّ الْكِتَابَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَذْرُوعًا أَوْ حَيَوَانًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لَكِنْ فِي الْحَيَوَانِ يَذْكُرُ أَسْنَانَهَا وَصِفَاتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُبْهَمَةَ الْأَوْصَافِ لَكِنْ مِنْ جِنْسٍ مُسَمًّى جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ وَمَتَى أَلْحَقْت بِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَفِي الْكِتَابَةِ الْمُؤَجَّلَةِ يَكْتُبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً جَائِزَةً نَافِذَةً مُنَجَّمَةً نُجُومًا عَشْرَةً مُؤَجَّلَةً بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا غُرَّةُ شَهْرِ كَذَا وَآخِرُهَا سَلْخُ شَهْرِ كَذَا كُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>