للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَبِيعَةِ وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَيُكْتَبُ يَنْتَهِي إلَى الْفُرْجَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ فُلَانٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ هَذَا الْوَهْمُ ثُمَّ بَعْضُ أَهْلِ الشُّرُوطِ يَكْتُبُ: حَدُّهَا الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إلَى دَارِ فُلَانٍ وَأَصْحَابُنَا كَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ: يَنْتَهِي إلَى الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ لِفُلَانٍ أَوْ إلَى الدَّارِ الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ: يَنْتَهِي إلَى دَارِ فُلَانٍ.

كَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ مِلْكُ فُلَانٍ فَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا تِلْكَ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ وَاسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى فُلَانٍ عِنْدَ زُفَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُكْتَبُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا احْتِرَازًا عَنْ هَذَا.

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا: أَحَدُ حُدُودِهَا يَنْتَهِي إلَى دَارِ فُلَانٍ يُلَازِقُ دَارَ فُلَانٍ وَلَمْ يُكْتَبْ: أَحَدُ حُدُودِهَا دَارُ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْبَيْعِ فَيُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْبَيْعِ إذَا جُعِلَ الْمَسْجِدُ أَوْ طَرِيقُ الْعَامَّةِ حَدًّا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبَيْنَمَا لَا يَجُوزُ مَعَ إجْمَالِ الثَّمَنِ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا جُعِلَ الْحَدُّ دَارَ فُلَانٍ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ فُلَانٌ دَارِهِ إلَيْهِ بِهَذَا الْبَيْعِ وَيُنْتَقَصُ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ دَارِ الْجَارِ فَلِهَذَا اخْتَرْنَا: يَنْتَهِي يُلَازِقُ، يَلِي، يُلَاصِقُ.

وَإِنَّمَا أَعَدْنَا لَفْظَ اشْتَرَى بَعْدَ ذِكْرِ حُدُودِ الدَّارِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْمُخْبَرِ عَنْهُ كَلِمَاتٌ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ الْخَبَرَ لِلتَّأْكِيدِ وَلِزِيَادَةِ الْإِفْهَامِ (ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ الَّتِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَأَهْلُ الشُّرُوطِ يَكْتُبُونَ جَمِيعَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ عَسَى تُذْكَرُ الدَّارُ وَيُرَادُ بِهَا الْبَعْضُ فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ جَائِزٌ فَكَتَبُوا جَمِيعَ الدَّارِ إزَالَةً لِهَذَا الْوَهْمِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا فِي الْكِتَابِ اشْتَرَى الدَّارَ الْمَحْدُودَةَ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَكَانَ السَّمْتِيُّ وَهِلَالٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَكْتُبَانِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، قَالَا: لِأَنَّ قَوْلَهُ كِتَابُنَا إضَافَةُ الْكِتَابِ إلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُمَا أَنَّ الْكِتَابَ مِلْكُهُمَا فَرُبَّمَا يُنَازِعُهُ الْبَائِعُ فِي كَوْنِ الْكِتَابِ فِي يَدِهِ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ فَلِإِزَالَةِ هَذَا الْوَهْمِ يُكْتَبُ هَذَا الْكِتَابُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْتَبُ: اشْتَرَى الدَّارَ الْمَحْدُودَةَ بِحُدُودِهَا كُلِّهَا، وَهَكَذَا كَانَ يَكْتُبُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَكْتُبُ بِحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ ذَلِكَ يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْبَيْعِ وَفِيهِ فَسَادٌ عَلَى مَا مَرَّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ بِقَوْلِهِمْ بِحُدُودِهَا إدْخَالُ الْحَدِّ تَحْتَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ إدْخَالُ مَا وَرَاءَ الْحَدِّ وَذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شُرُوطِهِ أَنَّ فِي دُخُولِ الْحَدِّ تَحْتَ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ بِحُدُودِهَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا الْقِيَاسُ أَنْ يَدْخُلَ الْحَدُّ تَحْتَ الْبَيْعِ.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَدْخُلُ وَإِذَا كَانَ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَدْخُلُ الْحَدُّ تَحْتَ الْبَيْعِ مَعَ ذِكْرِ قَوْلِهِ بِحُدُودِهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَدُّ تَحْتَ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِهِ بِدُونِ ذِكْرِ قَوْلِهِ بِحُدُودِهَا فَيَصِيرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشُّرُوطِ إذَا كُتِبَ أَحَدُ حُدُودِ هَذِهِ الدَّارِ دَارُ فُلَانٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>