للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالدَّرْكِ كَفِيلٌ) قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْبَائِعِ كَيْفَ يُكْتَبُ؟ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالدَّرْكِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ آخَرَ وَإِمَّا إنْ أَخَذَ كَفِيلًا بِجَمِيعِ مَا يَجِبُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِنْ حَقٍّ بِسَبَبِ هَذَا الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَفَالَةٌ بِدَيْنٍ سَيَجِبُ وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ، غَيْرَ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ رَدُّ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الدَّرْكَ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ رَدُّ الثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَتَنْصَرِفُ الْكَفَالَةُ إلَيْهِ وَلَا تَنْصَرِفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ كِتَابِ الشِّرَاءِ: فَمَا أَدْرَكَ فُلَانًا مِنْ دَرْكٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَعَلَى فُلَانٍ - يَعْنِي الْبَائِعَ - وَعَلَى فُلَانٍ - يَعْنِي الْكَفِيلَ - خَلَاصُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا شَتَّى وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يُسَلِّمَا لَهُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ يَرُدَّا عَلَيْهِ ثَمَنَهَا وَهُوَ كَذَا، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ وَإِنَّمَا كَتَبَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا جَمِيعًا تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ كَالْحَوَالَةِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَإِنَّمَا كَتَبَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا شَتَّى وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ عِنْدَهُ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اتَّبَعَ أَحَدَهُمَا وَطَالَبَهُ بِهِ بَرِئَ الْآخَرُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ قَالُوا وَهَا هُنَا شَرَائِطُ أُخَرُ لَا بُدَّ مِنْ كِتَابَتِهَا فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ كُفِلَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ أَخْذِ الْكَفِيلِ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُكْتَبُ ذَلِكَ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِهِ وَمِنْهَا أَنْ يُكْتَبَ أَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ بِأَمْرِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكَفَالَةَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا تَصِحُّ فَيُكْتَبُ أَمْرُ الْبَائِعِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِ وَمِنْهَا أَنْ يُكْتَبَ إجَازَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الضَّمَانَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ مُخَاطَبَةً؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكَفَالَةَ لِلْغَائِبِ لَا تَجُوزُ إذَا لَمْ يُقْبَلْ عَنْهُ إلَّا فِي صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَتُشْتَرَطُ إجَازَتُهُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ مُخَاطَبَةً احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِمَا وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - يَعْنِي الْبَائِعَ وَالْأَجْنَبِيَّ - كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغِيبُ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ مُعْسِرٌ فَلَا يَصِلُ مِنْ جِهَتِهِ إلَى حَقِّهِ فَيَجْعَلُهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْآخَرِ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْغَائِبِ فَيَصِلُ إلَى حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ فَيَكْتُبُ الْكَفَالَةَ بِأَمْرِ الْبَائِعِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْبَتِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يُكْتَبُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - أَعْنِي الْبَائِعَ وَالْكَفِيلَ - وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالْخُصُومَةِ فِيمَا يَدَّعِي الْمُشْتَرِي قِبَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ هَذَا الْبَيْعِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِأَنْ يَدَّعِيَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي وَكَالَةً صَحِيحَةً عَلَى أَنَّهُ مَتَى فَسَخَهَا يَعُودُ وَكِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِيَقَعَ التَّوَثُّقُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ وَرُبَّمَا يَرِدُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَالَ غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَالْكَفِيلُ حَاضِرٌ وَلَا يُمْكِنُ لِلْمُشْتَرِي إثْبَاتُ حَقِّهِ عَلَى الْبَائِعِ بِدَعْوَاهُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَفِيلُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْخُصُومَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَكَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرٍ يَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>