للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْدِيهِمْ إلَّا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأُسَارَى وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا كَذَا فِي الْكَافِي.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالصِّبْيَانُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إذَا سُبُوا وَمَعَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، فَلَا بَأْسَ بِالْمُفَادَاةِ بِهِمْ، وَأَمَّا إذَا سُبِيَ الصَّبِيُّ وَحْدُهُ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ أَوْ بِيعَتْ الْغَنَائِمُ، فَقَدْ صَارَ الصَّبِيُّ مَحْكُومًا لَهُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا لِمَنْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ أَوْ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ إذَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ، فَطَلَبُوا مُفَادَاتَهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوا أَنْ يُعْطُونَا رَجُلًا مُشْرِكًا عِوَضًا عَنْ أَسِيرِهِمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مُشْرِكَيْنِ عِوَضًا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَادِيَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُفَادَوْنَ بِالسِّلَاحِ، وَلَا بِالْخَيْلِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا أُسِرَ الْحُرُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فِيهِمْ: افْتَدِ لِي مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ اشْتَرِنِي مِنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَالْمَالُ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ الْمَأْمُورُ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْآمِرِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى فِي فِدَائِهِ إلَى مِقْدَارِ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ فَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِقَدْرِ الدِّيَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَدَّى قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَأْسُورُ قَالَ افْتَدِ: لِي مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَأْمُورُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى زَادَ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ خَاصَّةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَلَوْ كَانَ الْمَأْسُورُ قَالَ لِلْمَأْمُورِ: افْتَدِ لِي مِنْهُمْ بِمَا رَأَيْتَ أَوْ بِمَا شِئْتَ أَوْ أَمْرُكَ جَائِزٌ فِيمَا تَفْدِينِي بِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا فَدَى بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْسُورُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، فَأَمَرَ مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوْ يَفْدِيَهُ مِنْهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ عَبْدٌ لِهَذَا الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ اشْتَرِنِي لِنَفْسِي، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ، فَالْعَبْدُ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْفِدَاءِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَفْدِيَهُ فَفَدَاهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا فَدَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْدِيَهُ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا بِقَدْرِ الْأَلْفِ مَا لَمْ يُعْتَقْ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَأْذُونُ أَنْ يَفْدِيَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَوْلَاهُ وَيَلْزَمُهُ إذَا أُعْتِقَ، وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِهِ لِي أَوْ قَالَ: اشْتَرِهِ مِنْ مَالِي، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ مَالِي، وَلَا لِي، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلِيطًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ الْمَأْسُورُ رَجُلًا بِأَنْ يَفْدِيَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ لِرَجُلٍ آخَرَ: اشْتَرِهِ لِي جَازَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ لِي بِمَالِي: وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: اشْتَرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ لِي، وَلَا بِمَالِي، فَفَعَلَ الْوَكِيلُ الثَّانِي صَارَ مُتَطَوِّعًا حَتَّى لَا يَرْجِعَ الثَّانِي عَلَى أَحَدٍ، وَلَا رُجُوعَ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ جَمَعُوا مَالًا وَدَفَعُوهُ إلَى رَجُلٍ لِيَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ وَيَشْتَرِيَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ يَسْأَلُ التُّجَّارَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ حُرٌّ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهمْ يَشْتَرِيهِ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَلَا يُجَاوِزُ قِيمَةَ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِيه بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَأْمُورُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَسِيرًا، فَقَالَ لَهُ الْأَسِيرُ: اشْتَرِ لِي فَاشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ الْمَالَ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَسِيرِ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ بِشِرَاءِ الْأَسِيرِ قَالَ لِلْأَسِيرِ: بَعْدَ مَا قَالَ لَهُ الْأَسِيرُ: اشْتَرِ لِي بِكَذَا اشْتَرَيْتُكَ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيَّ حِسْبَةً فَاشْتَرَاهُ كَانَ مُشْتَرِيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>