للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا بَعْدَ هَذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ: ائْتِ بِمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْجُنْدِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْإِمَامُ يَتَوَلَّى جَمْعَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ اخْتَارَ الْإِمَامُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَبَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ إلَى الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ عُرُوضًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْمُرُ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ يَدِ الَّذِي قَدَرَ عَلَيْهِ مَا يَخُصُّهُ لَوْ قَسَّمَ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْجُنْدِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَ مَا فِي يَدِهِ غَنِيمَةٌ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ كُلُّهَا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ يَدِ الَّذِي قَدَرَ عَلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ، وَكَانَ فِيمَا أَصَابُوا مُصْحَفٌ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يَدْرِي أَنَّ فِيهِ تَوْرَاةً أَوْ زَبُورًا أَوْ إنْجِيلًا أَوْ كُفْرًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَ ذَلِكَ فِي مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّقَ بِالنَّارِ وَإِذَا كَرِهَ إحْرَاقَهُ يَنْظُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ كَانَ لِوَرِقِهِ قِيمَةً، وَيُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْمَحْوِ وَالْغَسْلِ بِأَنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى جِلْدٍ مَدْبُوغٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُمْحَى وَيُجْعَلُ الْوَرَقُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِوَرِقِهِ قِيمَةٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْمَحْوِ بِأَنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الْقِرْطَاسِ يُغْسَلُ وَهَلْ يُدْفَنُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعًا لَا يُتَوَهَّمُ وُصُولُ يَدِ الْكَفَرَةِ إلَيْهِ؟ يُدْفَنُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعًا يُتَوَهَّمُ وُصُولُ يَدِ الْكَفَرَةِ إلَيْهِ لَا يُدْفَنُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ بَيْعَهُ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ رَغْبَةً مِنْهُ فِي الْمَالِ يُكْرَهُ بَيْعُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبِيعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ مِنْهُ.

قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ فِي بَيْعِ كُتُبِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْإِضْلَالُ وَالْفِتْنَةُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْإِضْلَالُ وَالْفِتْنَةُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُهَا مِنْهُ قَالَ: وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْغَنِيمَةِ قَلَائِدَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِيهَا الصَّلِيبُ وَالتَّمَاثِيلُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَسْرُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا مِنْ رَجُلٍ إنْ كَانَ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا مَوْثُوقًا بِهِ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّلِيبُ وَالتَّمَاثِيلُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ، فَأَرَادَ بَيْعَهَا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْكَسْرِ أَوْ أَرَادَ قِسْمَتَهَا قَبْلَ الْكَسْرِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَا أُصِيبَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ نَحْوَ كَلْبِ الصَّيْدِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ، فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ مَا أُصِيبَ مِنْ صُيُودِ الْبَرِّ وَالْمَعَادِن وَالْكُنُوزِ وَمَا اسْتَخْرَجَ الْغَوَّاصُونَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بِحَارِهِمْ، فَهُوَ فَيْءٌ كُلُّهُ يَرْفَعُ عَنْهُ الْخُمُسَ وَيُقَسِّمْ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالسَّمَكُ وَسَائِرُ الصَّيُودِ الَّتِي تُصَادُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْمَأْكُولَاتِ وَيُكْرَهُ الِاصْطِيَادُ بِصَقْرِ الْغَنِيمَةِ وَبَازِيهَا وَكِلَابِهَا.

وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْهِرَّةِ وَإِنْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فَرَسًا عَلَيْهِ مَكْتُوبًا حُبِسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا، وَاَلَّذِي يُوجَدُ غَيْرَ مَكْتُوبٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَوَاءٌ، ثُمَّ تُجْعَلُ هَذِهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَكَانِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ أَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لُقَطَةً فَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ اللُّقَطَاتِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ أَوْ كَانَ يَقْرَبُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَيَكُونُ غَنِيمَةً فَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْغَنَائِمِ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَشَهِدَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مِنْ خَيْلِ الْجَيْشِ، وَقَدْ قَسَّمَهُ الْإِمَامُ فِي الْغَنَائِمِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ لَمْ يُقَسِّمْهُ، وَلَمْ يَبِعْهُ وَحَضَرَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمُدَبَّرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً فَلَمْ يُحْرِزُوهَا حَتَّى غَلَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>