وَلَا يَذْبَحُ خَنَازِيرَهُ وَلَكِنْ إنْ رَأَى أَنْ يُؤَدِّبَهُ بِالضَّرْبِ، أَوْ الْحَبْسِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَتْلَفَ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يَرَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ، فَفَعَلَ، أَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِخَمْرٍ لَهُ فِي سَفِينَةٍ فِي مِثْلِ دِجْلَةَ، أَوْ الْفُرَاتِ فَمَرَّ بِذَلِكَ فِي وَسَطِ بَغْدَادَ، أَوْ مَدَائِنَ، أَوْ وَاسِطَ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْمُرُورَ بِالْخَمْرِ فِي طَرِيقِ الْأَمْصَارِ وَلَا مَمَرَّ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ أَمِينًا حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَحَتَّى لَا يُدْخِلُوا ذَلِكَ مَسَاكِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّهَمِينَ بِشُرْبِ ذَلِكَ.
وَكُلُّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَوْ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِهِمْ أَظْهَرُوا فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْفِسْقِ مِمَّا لَمْ يُصَالَحُوا عَلَيْهِ نَحْوَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا فِي دِينِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُونَ عَنْ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِلُّونَ أَصْلَ الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ يُمْنَعُونَ عَنْ إظْهَارِ بَيْعِ الْمَزَامِيرِ وَالطُّنْبُورِ لِلَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا مُنِعَ مِنْهُ الْمُسْلِمُ وَمَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كُسِرَ لِمُسْلِمٍ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَضْمَنُ الْكَاسِرُ قِيمَتَهُ لَا لِلَّهْوِ كَمَا لَوْ كَسَرَهُ لِمُسْلِمٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ.
مُسْلِمٌ لَهُ امْرَأَةٌ ذِمِّيَّةٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ عِنْدَهَا، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ إدْخَالِ الْخَمْرِ فِي الْمَنْزِلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ دَارًا، أَوْ مَنْزِلًا فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا لَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَسْكُنَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَعَلَى رِوَايَةِ عَامَّةِ الْكُتُبِ يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْعَرَبِ نَحْوَ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِيهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ هَذَا إذَا قَلُّوا بِحَيْثُ لَا يَتَعَطَّلُ بِسَبَبِ سُكْنَاهُمْ، وَلَا يَتَقَلَّلُ بَعْضُ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَثُرُوا بِحَيْثُ يَتَعَطَّلُ بِسَبَبِ سُكْنَاهُمْ، أَوْ يَتَقَلَّلُ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ السُّكْنَى فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَيُؤْمَرُونَ بِأَنْ يَسْكُنُوا نَاحِيَةً لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا جَمَاعَةٌ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي، وَإِنْ اشْتَرَوْا دُورًا فِي مِصْرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا دَارًا مِنْهَا كَنِيسَةً، أَوْ بِيعَةً، أَوْ بَيْتَ نَارٍ يَجْتَمِعُونَ فِي ذَلِكَ لِصَلَوَاتِهِمْ مُنِعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرُوا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارًا، أَوْ بَيْتًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمْ، وَإِنْ آجَرَهُمْ دَارًا، أَوْ مَنْزِلًا فِيهَا، فَأَظْهَرُوا فِيهَا مَا ذَكَرْنَا يَمْنَعُهُمْ صَاحِبُ الدَّارِ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا، أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَضْ عَهْدُهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِهَا نُقِضَ عَهْدُهُ، وَلَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعِ قَرْيَةٍ، أَوْ حِصْنٍ فَيُحَارِبُونَنَا، وَإِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ مَعْنَاهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute