للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ مَا خَلَّى سَبِيلَهُ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَأْبَى أَنْ يُسْلِمَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كُرِهَ ذَلِكَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أُدِّبَ عَلَى مَا صَنَعَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَإِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ، وَهُوَ يَعْقِلُ فَارْتِدَادُهُ ارْتِدَادٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ وَتُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلشُّبْهَةِ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَ الْمَوْلَى سِجْنًا لَهَا، وَيُفَوَّضُ التَّأْدِيبُ إلَيْهِ مَعَ تَوْفِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: دُفِعَتْ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ احْتَاجَ، أَوْ لَمْ يَحْتَجْ طَلَبَ، أَوْ لَمْ يَطْلُبْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَمْ يَطَأْهَا الْمَوْلَى، وَالصَّغِيرَةُ الْعَاقِلَةُ كَالْبَالِغَةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ هَكَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.

وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ، وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا بَأْسَ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ لَهُ إذَا كَانَ مُصَرَّفًا فَيَمْلِكَهَا، وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسُهَا وَضَرْبُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا جَحَدَ الْمُرْتَدُّ الرِّدَّةَ، وَأَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَبِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِدِينِ الْإِسْلَامِ فَهَذَا مِنْهُ تَوْبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ بِرِدَّتِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ، وَإِنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ، وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ رِدَّتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ، أَوْ قَتْلِهِ، أَوْ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ، وَهِيَ الْأَصَحُّ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللِّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ إذْ الرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً فَيَرِثُهَا وَيَرِثُهَا أَقَارِبُهَا جَمِيعَ مَا لَهَا حَتَّى الْمَكْسُوبَ فِي رِدَّتِهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا، أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ، أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا مَا، أَوْصَى بِهِ فِي حَالِ إسْلَامِهِ، فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، أَوْ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَمِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

الْمُرْتَدُّ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>