دخلوا عليه يعني على يوسف قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ يعنون يا أيها الملك والعزيز القادر الممتنع وكان العزيز لقب ملك مصر يومئذ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ أي الشدة والفقر والجوع وأرادوا بأهلهم من خلفهم ومن وراءهم من العيال وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أي ببضاعة رديئة كاسدة لا تنفق في ثمن الطعام إلا بتجوز من البائع.
وأصل الإزجاء في اللغة: الدفع قليلا قليلا والتزجية دفع الشيء لينساق كتزجية الريح السحاب ومنه قول الشاعر:
(وحاجة غير مزجاة من الحاج) يعني هي قليلة يسيرة يمكن دفعها وسوقها لقلة الاعتناء بها وإنما وصفوا تلك البضاعة بأنها مزجاة إما لنقصانها أو لرداءتها أو لمجموعهما فلذلك اختلفت عبارات المفسرين في معنى هذه البضاعة المزجاة، فقال ابن عباس: كانت دراهم رديئة زيوفا وقيل كانت خلق الغرائر والحبال، وقيل: كانت من متاع الأعراب من الصوف والأقط، وقال الكلبي ومقاتل: كانت حبة الخضراء وقيل كانت سويق المقل وقيل كانت الأدم والنعال، وقال الزجاج: سميت هذه البضاعة القليلة الرديئة مزجاة من قولهم: فلان يزجي العيش أي يدفع الزمان بالقليل من العيش والمعنى جئنا ببضاعة مزجاة لندافع بها الزمان وليست مما يتسع بها، وقيل: إنما قيل للدراهم الرديئة مزجاة لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممن يدفعها فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ يعني أعطنا ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد الوافي والمعنى إنا نريد أن تقيم لنا الزائد مقام الناقص والجيد مقام الرديء وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا يعني وتفضل علينا بما بين الثمين الجيد والرديء ولا تنقصنا، هذا قول أكثر المفسرين قال ابن الأنباري: وكان الذي يسألونه من المسامحة يشبه الصدقة وليس به واختلف العلماء هل كانت الصدقة حلالا للأنبياء قبل نبينا أم لا فقال سفيان بن عيينة: إن الصدقة كانت حلالا للأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم واستدل بهذه الآية وأنكر جمهور العلماء ذلك وقالوا إن حال الأنبياء كلهم واحد في تحريم الصدقة عليهم لأنهم ممنوعون من الخضوع للمخلوقين والأخذ منهم، والصدقة أوساخ الناس فلا تحل لهم لأنهم مستغنون بالله عمن سواه.
وأجيب عن قوله وتصدق علينا أنهم طلبوا منه أن يجريهم على عادتهم من المسامحة وإيفاء الكيل ونحو ذلك مما كان يفعل بهم من الكرامة وحسن الضيافة لا نفس الصدقة وكره الحسن ومجاهد أن يقول الرجل في دعائه اللهم تصدق علينا لأن الصدقة لا تكون إلا ممن يبتغي الثواب وروي أن الحسن سمع رجلا يقول اللهم تصدق عليّ فقال إن الله لا يتصدق إنما يتصدق من يبغي الثواب قل اللهم أعطني وتفضل عليّ، وقال ابن جريج والضحاك وتصدق علينا يعني برد أخينا علينا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يعني بالثواب الجزيل وقال الضحاك لم يقولوا إن الله يجزيك لأنهم لم يعلموا أنه مؤمن قالَ يعني قال يوسف لإخوته هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ وقد اختلفوا في السبب الذي من أجله حمل يوسف وهيجه على هذا القول، فقال ابن إسحاق: ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام أدركته رقة على إخوته فباح بالذي كان يكتم، وقيل: إنه أخرج لهم نسخة الكتاب الذي كتبوه ببيعه من مالك وفي آخره وكتبه يهوذا فلما قرءوا الكتاب اعترفوا بصحته وقالوا يا أيها الملك إنه كان لنا عبد فبعناه منه فغاظ ذلك يوسف وقال: إنكم تستحقون العقوبة وأمر بقتلهم فلما ذهبوا بهم ليقتلوهم قال يهوذا كان يعقوب يبكي ويحزن لفقد واحد منا فكيف إذا أتاه الخبر بقتل بنيه كلهم ثم قالوا إن كنت فاعلا ذلك فابعث بأمتعتنا إلى أبينا فإنه بمكان كذا وكذا فذلك حين أدركته الرقة عليهم والرحمة فبكى وقال هذا القول، وقيل: إن يوسف لما قرأ كتاب أبيه لم يتمالك أن بكى وقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه وهذا استفهام يفيد تعظيم أمر هذه الواقعة ومعناه ما أعظم ما ارتكبتم من أمر يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه من قطيعة الرحم وتفريقه من أبيه وهذا كما يقال للمذنب هل تدري من عصيت وهل تعرف من خالفت ولم يرد بهذا نفس الاستفهام ولكنه أراد