للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضائه وقدره وهو المراد بقوله لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ يعني في العبادة والخلق والقضاء والقدر وسائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه وَبِذلِكَ أُمِرْتُ يعني: قل يا محمد وبهذا التوحيد أمرت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قال قتادة: يعني من هذه الأمة وقيل معناه وأنا أول المستسلمين لقضائه وقدره.

[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٦٤ الى ١٦٥]

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (١٦٤) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)

قوله عز وجل: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا أي: قل يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك أغير الله أطلب سيدا أو إلها وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ يعني وهو سيد كل شيء ومالكه لا يشاركه فيه أحد وذلك أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى ديننا. قال ابن عباس: كان الوليد بن المغيرة يقول اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم فقال الله عز وجل ردا عليه وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها يعني أن إثم الجاني عليه لا على غيره وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني لا تؤاخذ نفس آثمة بإثم أخرى ولا تحمل نفس حاملة حمل أخرى ولا يؤاخذ أحد بذنب آخر ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يعني يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ يعني في الدنيا من الأديان والملل.

قوله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ يعني: والله الذي جعلكم يا أمة محمد خلائف في الأرض فإن الله أهلك من كان قبلكم من الأمم الخالية واستخلفكم فجعلكم خلائف منهم في الأرض تخلفونهم فيها وتعمرونها بعدهم وذلك لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وهو آخرهم وأمته آخر الأمم وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ يعني أنه تعالى خالف بين أحوال عباده فجعل بعضهم فوق بعض في الخلق والرزق والشرف والعقل والقوة والفضل فجعل منهم الحسن والقبيح والغني والفقير والشريف والوضيع والعالم والجاهل والقوي والضعيف وهذا التفاوت بين الخلق في الدرجات ليس لأجل العجز أو الجهل أو الجهل أو البخل فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص وإنما هو لأجل الابتلاء والامتحان وهو قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ يعني يعاملكم معاملة المبتلي والمختبر وهو أعلم بأحوال عباده. والمعنى: يبتلي الغني بغناه والفقير بفقره والشريف بشرفه والوضيع بدناءته والعبد والحر وغيرهم من جميع أصناف خلقه ليظهر منكم ما يكون عليه الثواب والعقاب، لأن العبد إما أن يكون مقصرا فيما كلف به وإما أن يكون موفيا ما أمره به فإن كان مقصرا كان نصيبه التخويف والترغيب وهو قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ يعني لأعدائه بإهلاكهم في الدنيا وإنما وصف العقاب بالسرعة لأن كل ما هو آت فهو قريب إن كان العبد موفيا حقوق الله تعالى فيما أمره به أو نهاه عنه كان نصيبه الترغيب والتشريف والتكريم وهو قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ يعني لذنوب أوليائه وأهل طاعته رَحِيمٌ يعني بجميع خلقه والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>