عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ الأنامل جمع أنملة وهي طرف الأصبع والمعنى أنه إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا العداوة وشدة الغيظ، على المؤمنين لما يرون من ائتلافهم واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم وعض الأنامل عبارة عن شدة الغيظ وهذا من مجاز الأمثال وإن لم يكن هناك عض كما يقال عض يده من الغيظ والغضب قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ هذا دعاء عليهم أن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به وذلك لما يرون من قوة الإسلام وعزة أهله ومالهم في ذلك من الذل والخزي والمعنى ابقوا إلى الممات بغيظكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعني به الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه وهي لكونها حالة في القلب منتسبة إليه كنى عنها بذات الصدور والمعنى أنه تعالى عالم بكل ما يحصل في قلوبكم من الخواطر فأخبرهم أنه عليم بما يسرونه من عض الأنامل غيظا إذا خلوا وأنه عليم بما هو أخفى منه وهو ما يسرونه في قلوبهم. قوله عز وجل: إِنْ تَمْسَسْكُمْ أي تصبكم أيها المؤمنون وأصل المس باليد ثم يسمى كل ما يصل إلى شيء ماسا له على سبيل التشبيه كما يقال مسه نصب وتعب أي أصابه حَسَنَةٌ المراد بالحسنة هنا منافع الدنيا مثل ظهوركم على عدوكم وإصابتكم غنيمة منهم وتتابع الناس في الدخول في دينكم وخصب في معايشكم تَسُؤْهُمْ أي تحزنهم وتغمهم والسوء ضد الحسنى وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ أي مساءة من إخفاق سرية لكم أو إصابة عدو منكم أو اختلاف يقع بينكم أو غدر ونكبة ومكروه يصيبكم يَفْرَحُوا بِها أي بما أصابكم من ذلك المكروه وَإِنْ تَصْبِرُوا يعني على أذاهم وقيل إن تصبروا على طاعة الله وما ينالكم فيها من شدة وَتَتَّقُوا أي تخالفوا ربكم وقيل وتتقوا ما نهاكم عنه وتتوكلوا عليه لا يَضُرُّكُمْ أي لا ينقصكم كَيْدُهُمْ أي عداوتهم ومكرهم شَيْئاً أي لأنكم في عناية الله وحفظه إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ قرئ بالياء على الغيبة والمعنى أنه عالم بما يعملون من عداوتكم وأذاكم فيعاقبهم عليه وقرئ بالتاء على خطاب الحاضر والمعنى أنه عالم بما تعملون أيها المؤمنون من الصبر والتقوى فيجازيكم عليه مُحِيطٌ أي عالم بجميع ذلك حافظ لا يعزب عنه شيء منه. قوله عز وجل:
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ قال جمهور المفسرين إن هذا كان في يوم أحد وهو قول عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس والزهري وقتادة والسدي والربيع وابن إسحاق، وقال الحسن ومجاهد ومقاتل: إنه يوم الأحزاب ونقل عن الحسن أيضا أنه يوم بدر قال ابن جرير الطبري الأول أصح لقوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وقد اتفق العلماء أن ذلك كان يوم أحد قال مجاهد والكلبي والواقدي غدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منزل عائشة فمشى على رجليه إلى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوم القدح قال محمد بن إسحاق والسدي عن رجالهما إن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه ودعا عبد الله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبد الله بن أبيّ وأكثر الأنصار يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليه فو الله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلتهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الرأي وقال بعض أصحابه يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب لئلا يروا أنا جبنا عنهم وضعفنا وخفناهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إني قد رأيت في منامي بقرا فأولتها خيرا ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولتها هزيمة ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم فإن أقاموا أقاموا بشر وإن دخلوا علينا المدينة قاتلناهم فيها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلهم في الأزقة فقال رجال من المسلمين ممن فاتهم يوم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد أخرج بنا إلى أعدائنا، فلم يزالوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حبهم للقاء