قراءة القرآن قال الفراء لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به وقيل معناه لا يقرأه إلا الموحدون وقال قوم معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات وظاهر الآية نفي ومعناها نهي قالوا لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا للمحدث حمل المصحف ولا مسه وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء يدل عليه ما روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن حزم «أن لا تمس القرآن إلا طاهرا» أخرجه مالك مرسلا وقد جاء موصولا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بهذا والصحيح فيه الإرسال وروى الدارقطني بسنده عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يمس القرآن إلا طاهر» والمراد بالقرآن المصحف سماه قرآنا على قرب الجوار والاتساع، كما روي «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» وأراد به المصحف وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلافه.
فإن قلت: إذا كان الأصح أن المراد من الكتاب هو اللوح المحفوظ وأن المراد من «لا يمسه إلا المطهرون» هم الملائكة ولو كان المراد نفي الحدث لقال لا يمسه إلا المتطهرون من التطهر فكيف يصح قول الشافعي لا يصح للمحدث مس المصحف.
قلت من قال إن الشافعي أخذه من صريح الآية حمله على التفسير الثاني وهو القول بأن المراد من الكتاب هو المصحف ومن قال إنه أخذه من طريق الاستنباط قال المس بطهر صفة دالة على التعظيم والمس بغير طهر نوع استهانة وهذا لا يليق بمباشرة المصحف الكريم والصحيح أنه أخذه من السنة ودليله ما تقدم من الأحاديث والله أعلم. قوله تعالى:
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة للقرآن أي القرآن منزل من عند رب العالمين سمي المنزل تنزيلا على اتساع اللغة يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق وفيه رد على من قال إن القرآن شعر أو سحر أو كهانة فقال الله تعالى بل القرآن تنزيل من رب العالمين.
قوله عز وجل: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَنْتُمْ أي يا أهل مكة مُدْهِنُونَ قال ابن عباس مكذبون وقيل كافرون والمدهن والمداهن الكذاب والمنافق والإدهان الجري في الباطل على خلاف الظاهر هذا أصله ثم قيل للمكذب والكافر مدهن وإن صرح بالتكذيب والكفر، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أي حظكم ونصيبكم من القرآن أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قال الحسن في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون أي بنعمة الله عليكم وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم فقيل لهم أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله تعالى ونعمه وكذب بما جاء به القرآن والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب، (ق) عن يزيد بن خالد الجهني قال «صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» رواه مسلم وفيه عن ابن عباس