للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة التوبة (٩): الآيات ٢٦ الى ٢٨]

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ يعني بعد الهزيمة والسكينة والطمأنينة والأمنة، وهي فعلية من السكون وذلك أن الإنسان إذا خاف رجف فؤاده فلا يزال متحركا وإذا أمن سكن فؤاده وثبت فلما كان الأمن موجبا للسكون جعل لفظ السكينة كناية عن الأمن.

وقوله تعالى: عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ إنما كان إنزال السكينة على المؤمنين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ساكن القلب ليس عنده اضطراب كما حصل للمؤمنين من الهزيمة واضطراب في هذه الواقعة ثم من الله عليهم بإنزال السكينة عليهم حتى رجعوا إلى قتال عدوهم بعد الهزيمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت لم يفر وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة تثبيت المؤمنين وتشجيعهم وتخذيل المشركين وتجبينهم لا للقتال لأن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني بالأسر والقتل وسبي العيال والأموال وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ يعني في الدنيا ثم إذا أفضوا إلى الآخرة كان لهم عذاب أشد من ذلك العذاب وأعظم ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ يعني فيهديه إلى الإسلام كما فعل بمن بقي من هوازن حيث أسلموا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم تائبين فمنّ عليهم وأطلق سبيهم وَاللَّهُ غَفُورٌ إن تاب رَحِيمٌ بعباده.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ قيل: أراد بالمشركين عبدة الأصنام دون غيرهم من أصناف الكفار. وقيل: بل أراد جميع أصناف الكفار عبدة الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى. والنجس:

الشيء القذر من الناس وغيرهم. وقيل: النجس الشيء الخبيث وأراد بهذه النجاسة نجاسة الحكم لا نجاسة العين. سموا نجسا على الذم لأن الفقهاء اتفقوا على طهارة أبدانهم. وقيل: هم أنجاس العين كالكلب والخنزير.

حتى قال الحسن بن صالح: من مس مشركا فليتوضأ. ويروى هذا عن الزيدية من الشيعة والقول الأول أصح وقال قتادة سماهم: نجسا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤون فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ المراد: منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ويؤكد هذا قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام أراد به الحرم لأنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ. قال العلماء: وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام أحدها: الحرم فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال ذميا كان أو مستأمنا لظاهر هذه الآية وبه قال الشافعي وأحمد ومالك فلو جاء رسول من دار الكفر والإمام في الحرم فلا يأذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه بنفسه أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهدة حول الحرم القسم الثاني من بلاد الإسلام الحجاز وحده ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة الشريفة قيل نصفها تهامي ونصفها حجازي. وقيل: كلها حجازي. وقال ابن الكلبي: حد الحجاز ما بين جبل طيء وطريق العراق سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة، ونجد. وقيل: لأنه حجز بين نجد والسراة. وقيل: لأنه حجز بين نجد وتهامة والشام. قال الحربي: وتبوك من الحجاز فيجوز للكفار دخول أرض الحجاز بالإذن ولكن لا يقيمون فيها أكثر من مقام المسافر وهو ثلاثة أيام (م) عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما زاد في رواية لغير مسلم وأوصى فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك أبو بكر وأجلاهم عمر في خلافته وأجل لمن يقدم تاجرا ثلاثا. عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب أخرجه مالك في الموطأ مرسلا (م) عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن

<<  <  ج: ص:  >  >>