فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب. وقال ابن عمر نزلت في المسافر يصلي التطوع حيثما توجهت به راحلته (ق) عن ابن عمر قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ» وكان ابن عمر يفعله وفي رواية لمسلم «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلّي على دابته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت وفيه نزلت فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ الآية. وقيل: نزلت في تحويل القبلة إلى الكعبة وذلك أن اليهود عيرت
المؤمنين وقالوا: ليس لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة يستقبلون هكذا فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنها نزلت في تخيير النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ليصلوا حيث شاؤوا من النواحي ثم إنها نسخت بقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ومعنى الآية إن لله المشرق والمغرب وما بينهما خلقا وملكا، وإنما خص المشرق والمغرب اكتفاء عن جميع الجهات لأن له كلها وما بينهما خلقه وعبيده، وإن على جميعهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه فما أمرهم باستقباله فهو القبلة فإن القبلة ليست قبلة لذاتها بل لأن الله تعالى جعلها قبلة، وأمر بالتوجه إليها فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أي فهنالك قبلة الله التي وجهكم إليها، وقيل معناه فثم وجه الله تعالى بعلمه وقدرته. والوجه صفة ثابتة لله تعالى لا من حيث الصورة. وقيل: فثم رضا الله أي يريدون بالتوجه إليه رضاه إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ من السعة وهو الغني أي يسع خلقه كلهم بالكفاية، والإفضال والجود والتدبير. وقيل واسع المغفرة عَلِيمٌ أي بأعمالكم ونياتكم حيثما تصلوا، وتدعوا لا يغيب عنه منها شيء.
(مسألة تتعلق بحكم الآية) وهي أن المسافر إذا كان في مفازة أو بلاد الشرك، واشتبهت عليه القبلة فإنه يجتهد في طلها بنوع من الدلائل ويصلي إلى الجهة التي أدى إليها اجتهاده ولا إعادة عليه وإن لم يصادف القبلة فإن جهة الاجتهاد قبلته، وكذا الغريق في البحر إذا بقي على اللوح فإنه يصلي على حسب حاله، وتصح صلاته وكذلك المشدود على جذع بحيث لا يمكنه الاستقبال. قوله عز وجل:
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نزلت في يهود المدينة حيث قالوا: عزيز ابن الله، وفي نصارى نجران حيث قالوا المسيح ابن الله وفي مشركي العرب حيث قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ أي تنزيها لله فنزه الله نفسه عن اتخاذ الولد وعن قولهم: وافترائهم عليه (خ) عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله عز وجل: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم إني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي، فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا» بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني عبيدا وملكا فكيف ينسب إليه الولد وهو داخل فيهما. وقيل: إن الولد لا بد وأن يكون من جنس الوالد والله تعالى منزه عن الشبيه والنظير. وقيل: إن الولد إنما يتخذ للحاجة إليه والانتفاع به عند عجز الوالد وكبره، والله تعالى منزه عن ذلك كله فإضافة الولد إليه محال كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ يعني أن أهل السموات والأرض مطيعون لله ومقرون له بالعبودية، وأصل القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع. وقيل: أصله: القيام ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصلاة طول القنوت» فعلى هذا يكون معنى الآية كل له قائمون بالشهادة ومقرون له بالوحدانية. وقيل: قانتون أي مذللون مسخرون لما خلقوا له. واختلف العلماء في حكم الآية فقال بعضهم: هو خاص ثم سلكوا في تخصيصه طريقين. أحدهما:
قالوا هو راجع إلى عزير والمسيح والملائكة. الثاني: قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو راجع إلى أهل طاعته دون سائر الكفار وذهب جماعة إلى أن حكم الآية عام لأن لفظة كل تقتضي الشمول والإحاطة ثم سلكوا في الكفار طريقين. أحدهما أن ظلالهم تسجد لله وتطيعه. والثاني أن هذه الطاعة تكون في يوم القيامة. ومن ذهب إلى تخصيص حكم الآية أجاب عن لفظة كل بأنها لا تقتضي الشمول والإحاطة بدليل قوله تعالى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ