لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم. قال فكنا نقرأ أن بلغوا قومنا إن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ بعد فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله وفي رواية إن رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمدهم بسبعين رجلا من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى إذا كان ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقنت عليهم شهرا يدعو في الصبح على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع بلغوا قومنا إن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ولمسلم قال: جاء ناس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألوه أن أبعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار وذكر نحو ما تقدم وقيل إن أولياء الشهداء وأهليهم كانوا إذا أصابتهم نعمة وخير تحسروا على الشهداء وقالوا نحن في النعمة والرخاء وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية تطييبا لقلوبهم وتنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم فقال تعالى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي ولا تظنن الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكل أحد من أمته والمعنى لا يظن ظان إن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا يعني كأموات غيرهم ممن لم يقتل في سبيل الله بَلْ أَحْياءٌ أي بل هم أحياء وظاهر الآية يدل على كون من قتل في سبيل الله حيا فأما أن يكون المراد أنهم سيصيرون أحياء في الآخرة أو يكون المراد إنهم أحياء في الحال وعلى تقدير أنهم أحياء في الحال يكون المراد إثبات الحياة الروحانية أو إثبات الحياة الجثمانية. فهذه ثلاثة أوجه في معنى احتمال الحياة فمن قال بالوجه الأول هو أنهم سيصيرون أحياء في الآخرة قال معنى الآية بل هم أحياء في الذكر: وأنهم يذكرون بخير أعمالهم وأنهم استشهدوا في سبيل الله وقيل بل هم أحياء في الدين وهذا القول ليس بصواب لأن الله تعالى أثبت لهم الحياة في الحال بقوله بل أحياء يعني في حال ما يقتلون فإنهم يحيون وهو الاحتمال الثاني. واختلفوا في معنى هذه الحياة هل هي للروح أو للجسم والروح معا فمن أثبت الحياة للروح دون الجسم يقال يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم أرواح الشهداء في حواصل طير خضر فخص الأرواح دون الأجساد وقال بعض المفسرين إنّ أرواح الشهداء تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة. ومن أثبت الحياة الروح والجسم معا قال: يدل عليه سياق الآية وهو قوله عند ربهم يرزقون فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون كالأحياء وقيل إن الشهيد لا يبلى في قبره ولا تأكله الأرض كغيره. وروي أنه لما أراد معاوية أن يجري الماء على قبور الشهداء أمر أن ينادي من كان له قتيل فليخرجه وليحوله من هذا الموضع قال جابر: فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطاب الأبدان فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فانبعث دما وذكر البغوي بغير سند عن عبيد الله بن عمير قال مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف من أحد على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم وسلموا عليهم فالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردوا عليه» وقوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني في محل كرامته وفضله يُرْزَقُونَ يعني من ثمار الجنة وتحفها.
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني بما أعطاهم من الثواب والكرامة والإحسان والإفضال في دار النعيم وَيَسْتَبْشِرُونَ أي يفرحون والاستبشار هو الفرح والسرور الذي يحصل للإنسان عند البشارة بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ يعني من إخوانهم الذين تركوهم أحياء في الدنيا على منهج الإيمان والجهاد لعلمهم بأنهم إذا استشهدوا سألوا الله عز وجل أن يخبر إخوانهم بما نالوا من الخير والكرامة ليرغبوا في الجهاد فأخبرهم الله عز