قلت تكفير السيئات إنما يكون قبل دخولهم الجنة فكيف ذكره بعد دخولهم الجنة، قلت: الواو لا تقتضي الترتيب وقيل إن تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الإدخال بالذكر بمعنى أنه من أهل الجنة وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً يعني أن ذلك الإدخال والتكفير كان في علم الله تعالى فوزا عظيما وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ يعني المنافقين والمنافقات من أهل المدينة والمشركين والمشركات من أهل مكة وإنما قدم المنافقين على المشركين هنا وفي غيره من المنافقين كانوا أشد على المؤمنين من الكافرين لأن الكافر يمكن أن يحترز منه ويجاهد لأنه عدو مبين والمنافق لا يمكن أن يحترز منه ولا يجاهد فلهذا كان شره أكثر من شر الكافر فكان تقديم المنافق بالذكر أولى الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ يعني أنهم ظنوا أن الله لا ينصر محمدا صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يعني عليهم دائرة العذاب والهلاك وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ زيادة في تعذيبهم وهلاكهم وَلَعَنَهُمْ يعني وأبعدهم وطردهم عن رحمته وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ يعني في الآخرة وَساءَتْ مَصِيراً يعني ساءت جهنم منقلبا.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تقدم تفسيره بقي ما فائدة التكرير ولم قدم ذكر جنود السموات والأرض على إدخال المؤمنين الجنة ولم أخر ذكر جنود السموات والأرض هنا بعد تعذيب المنافقين والكافرين، فنقول:
فائدة التكرار للتأكيد وجنود السموات والأرض منهم من هو للرحمة ومنهم من هو للعذاب فقدم ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة ليكون مع المؤمنين جنود الرحمة فيثبتوهم على الصراط وعند الميزان فإذا دخلوا الجنة أفضوا إلى جوار الله تعالى ورحمته والقرب منه، فلا حاجة لهم بعد ذلك إلى شيء، وأخر ذكر جنود السموات والأرض بعد تعذيب الكافرين والمنافقين ليكون معهم جنود السخط فلا يفارقوهم أبدا.
فإن قلت: قال في الآية الأولى: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وقال في هذه الآية وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فما معناه؟ قلت: لما كان في جنود السموات والأرض من هو للرحمة ومن هو للعذاب وعلم الله ضعف المؤمنين، ناسب أن تكون خاتمة الآية الأولى وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، ولما بالغ في وصف تعذيب الكافر والمنافق وشدته، ناسب أن تكون خاتمة الآية الثانية وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فهو كقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ وقوله فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ذكره في معرض الامتنان عليه حيث شرفه بالرسالة وبعثه إلى الكافة شاهدا على أعمال أمته ومبشرا يعني لمن آمن به وأطاعه بالثواب ونذيرا يعني لمن خالفه وعصى أمره بالعقاب ثم بين فائدة الإرسال فقال تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فالضمير فيه للناس المرسل إليهم وَتُعَزِّرُوهُ يعني ويقووه وينصروه. والتعزير: نصر مع تعظيم وَتُوَقِّرُوهُ يعني وتعظموه والتوقير: التعظيم والتبجيل وَتُسَبِّحُوهُ من التسبيح الذي هو التنزيه من جميع النقائص أو من السبحة وهي الصلاة.
قال الزمخشري: والضمائر لله تعالى والمراد بتعزير الله تعالى. تعزير دينه ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ومن فرق الضمائر