مسرورين لما نالك من المصيبة وسلامتهم منها قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا يعني قل يا محمد لهؤلاء الذين يفرحون بما يصيبك من المصائب والمكروه لن يصيبنا إلا ما قدره الله لنا وعلينا وكتبه في اللوح المحفوظ لأن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة من خير وشر فلا يقدر أحد أن يدفع عن نفسه مكروها نزل به أو يجلب لنفسه نفعا أراده لم يقدر له هُوَ مَوْلانا يعني أن الله سبحانه وتعالى هو ناصرنا وحافظنا وهو أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ يعني في جميع أمورهم قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا يعني:
قل يا محمد لهؤلاء المنافقين هل تنتظرون بنا أيها المنافقون إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ يعني إما النصر والغنيمة وإما الشهادة والمغفرة وذلك أن المسلم إذا ذهب إلى الغزو والجهاد في سبيل الله إما أن يغلب عدوه فيفوز بالنصر والغنيمة والأجر العظيم في الآخرة وإما أن يقتل في سبيل الله فتحصل له الشهادة وهي الغاية القصوى ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تكفل الله وفي رواية تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة» أخرجاه في الصحيحين.
وقوله سبحانه وتعالى: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ يعني ونحن ننتظر بكم إحدى السوأيين أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني فيهلككم كما أهلك من كان قبلكم من الأمم الخالية أَوْ بِأَيْدِينا يعني أو يصيبكم بأيدي المؤمنين بأن يظفرنا بكم ويظهرنا عليكم فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ قال الحسن: فتربصوا مواعيد الشيطان إنا متربصون مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه.
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نزلت في الجد بن قيس المنافق وذلك أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود عنه وقال أنا أعطيكم مالي فأنزل الله عز وجل ردا عليه قل أي قل يا محمد لهذا المنافق وأمثاله في النفاق أنفقوا طوعا أو كرها يعني أنفقوا طائعين من قبل أنفسكم أو مكرهين بالإنفاق بإلزام الله ورسوله إياكم بالإنفاق لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ لأن هذا الإنفاق إنما وقع لغير الله وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه ثم علل بسبب منع القبول بقوله إِنَّكُمْ أي لأنكم كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ والمراد بالفسق هنا الكفر ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أي المانع من قبول نفقاتهم هو كفرهم بالله وبرسوله وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى جمع كسلان يعني متثاقلين في الإتيان إلى الصلاة وذلك لأنهم لا يرجون على فعلها ثوابا ولا يخافون على تركها عقابا فلذلك ذمهم مع فعلها وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ لأنهم كانوا يعتقدون الإنفاق في سبيل الله مغرما ومنع ذلك الإنفاق مغنما فَلا تُعْجِبْكَ يا محمد أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ هذا الخطاب وإن كان مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد به جميع المؤمنين والمعنى فلا تعجبوا بأموال المنافقين وأولادهم والإعجاب السرور بالشيء مع نوع من الافتخار به مع الاعتقاد أنه ليس لغيره مثله وهذا يدل على استغراق النفس بذلك الشيء ويكون سبب انقطاعه عن الله عز وجل فينبغي للإنسان أن لا يعجب بشيء من أمور الدنيا ولذاتها فإن العبد إذا كان من الله عز وجل في استدراج كثر ماله وولده فيكثر إعجابه بماله وولده فيبطر ويكفر نعم الله عليه ولهذا