للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخيرات لأن ظاهر الأمر للوجوب، فإذا لم يتحقق الوجوب فلا أقل من الندب أَيْنَما تَكُونُوا يعني أنتم وأهل الكتاب أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

يعني يوم القيامة فهو وعد لأهل الطاعة بالثواب ووعيد لأهل المعصية بالعقاب نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أي على الإعادة بعد الموت والإثابة لأهل الطاعة والعقاب لمستحق العقوبة. قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)

وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي من أي موضع خرجت في سفر وغيره فول وجهك يا محمد قبل المسجد الحرام ونحوه وَإِنَّهُ يعني التوجه إليه لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي الحق الذي لا شك فيه فحافظ عليه وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أي ليس هو بساه عن أعمالكم، ولكنه محصها لكم، وعليكم فيجازيكم بها يوم القيامة وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فإن قلت: هل في هذا التكرار فائدة. قلت: فيه فائدة عظيمة جليلة وهي أن هذه الواقعة أول الوقائع التي ظهر النسخ فيها في شرعنا، فدعت الحاجة إلى التكرار لأجل التأكيد والتقرير وإزالة الشبهة، وإيضاح البيان فحسن التكرار فيهم لنقلهم من جهة إلى جهة لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ قيل: أراد بالناس أهل الكتاب:

وقيل: هو على العموم وقيل هم قريش واليهود فأما قريش فقالوا: رجع محمد إلى الكعبة لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة أبيه وسيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا وقالت اليهود: لم ينصرف محمد عن بيت المقدس مع علمه أنه حق إلّا أنه يعمل برأيه فعلى هذا يكون الاستثناء في قوله: إلّا الذين ظلموا منهم متصلا صحيحا والمعنى، لا حجة لأحد عليكم إلّا مشركو قريش واليهود فإنهم يجادلونك الباطل والظلم، وإنما سمي الاحتجاج بالباطل حجة، لأن اشتقاقها من حجه إذا غلبه فكما تكون صحيحة فكذلك تسمى حجة وتكون باطلة قال الله تعالى:

حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقيل: هذا الاستثناء منقطع عن الكلام الأول، ومعناه لكن الذين ظلموا منهم يجادلونك بالباطل كما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

أي لكن سيوفهم بهن فلول، وليس بعيب وقيل: في معنى الآية إن اليهود عرفوا أن الكعبة قبلة إبراهيم ووجدوا في التوراة أن محمدا سيحول إليها فتكون حجتهم أنهم يقولون إن النبي الذي نجده في كتابنا سيحول إلى الكعبة ولم تحول أنت فلما حول إلى الكعبة ذهبت حجتهم إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أي إلّا أن يظلموا فيكتموا ما عرفوا من الحق.

فَلا تَخْشَوْهُمْ أي فلا تخافوهم في انصرافكم إلى الكعبة في تظاهرهم عليكم بالمجادلة الباطلة فإني وليكم وناصركم، أظهركم عليهم بالحجة والنصرة وَاخْشَوْنِي أي احذروا عقابي إن أنتم عدلتم عما ألزمتكم به وفرضته عليكم وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ولكي أتم نعمتي عليكم بهدايتي إلى قبلة إبراهيم لتتم لكم الملة الحنيفية.

وقيل: تمام النعمة الموت على الإسلام ثم دخول الجنة ثم رؤية الله تعالى: وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي لكي تهتدوا من الضلالة. ولعل وعسى من الله واجب. قوله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>