وقال ابن مسعود: ومن كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة وأبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطريقهم فهؤلاء كانوا على الصراط المستقيم.
وقوله سُبْحانَ اللَّهِ أي وقل سبحان الله يعني تنزيها له عما لا يليق بجلاله من جميع العيوب والنقائص والشركاء الأضداد والأنداد وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني وقل يا محمد وما أنا من المشركين الذين أشركوا بالله غيره.
قوله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا يعني وما أرسلنا قبلك يا محمد إلا رجالا مثلك ولم يكونوا ملائكة نُوحِي إِلَيْهِمْ هذا جواب لأهل مكة حيث قالوا هلا بعث الله ملكا والمعنى كيف تعجبوا من إرسالنا إياك يا محمد وسائر الرسل الذين كانوا من قبلك بشر مثلك حالهم كحالك مِنْ أَهْلِ الْقُرى يعني من أهل الأمصار والمدن لا من أهل البوادي لأن أهل الأمصار أفضل وأعلم وأكمل عقلا من أهل البوادي، قال الحسن: لم يبعث نبي من بدو ولا من الجن ولا من النساء، وقيل: إنما لم يبعث الله نبيا من البادية لغلظهم وجفائهم أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني هؤلاء المشركين المكذبين فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كانت عاقبتهم الهلاك لما كذبوا رسلنا فليعتبر هؤلاء بهم وما حل بهم من عذابنا وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا يعني فعلنا هذا بأوليائنا وأهل طاعتنا إذ أنجيناهم عند نزول العذاب بالأمم المكذبة وما في الدار الآخرة خير لهم يعني الجنة لأنها خير من الدنيا وإنما أضاف الدار إلى الآخرة وإن كانت في الآخرة لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه كقولهم حق اليقين والحق هو اليقين نفسه أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني يتفكرون ويعتبرون بهم فيؤمنون.
قوله عز وجل: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ قال صاحب الكشاف: حتى متعلقة بمحذوف دلّ عليه الكلام كأنه قيل وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فتراخى نصرهم حتى إذا استيأس الرسل عن النصر، وقال الواحدي: حتى هنا حرف من حروف الابتداء يستأنف بعدها والمعنى حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قرأ أهل الكوفة وهم عاصم وحمزة والكسائي كذبوا بالتخفيف ووجه هذه القراءة على ما قاله الواحدي أن معناه ظن الأمم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم وهذا معنى قول ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد، وقال أهل المعاني كذبوا من قولهم كذبتك الحديث أي لم أصدقك ومنه قوله تعالى وقعد الذين كذبوا الله ورسوله قال أبو علي والضمير في قوله وظنوا على هذه القراءة للمرسل إليهم والتقدير وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم وهذا معنى قول ابن عباس إنهم لم يؤمنوا حتى نزل بهم العذاب وإنما ظنوا ذلك لما شاهدوا من امهال الله إياهم ولا يمتنع حمل الضمير في ظنوا على المرسل إليهم وإن لم يتقدم لهم ذكر لأن ذكر الرسل يدل على ذكر المرسل إليهم وإن شئت قلت إن ذكرهم جرى في قوله أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم أي مكذبي الرسل والظن هنا على معنى التوهم والحسبان وهذا معنى ما روي عن ابن عباس أنه قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم الإجابة وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا من نصرهم وإهلاك من كذبهم وقيل معناه وتيقن الرسل أنهم قد كذبوا في وعد قومهم إياهم الإيمان أي وعدوا أن يؤمنوا ثم لم يؤمنوا