للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل المراد بالذكر الصلاة يعني فصلّوا لله قياما يعني في حال الصحة وقعودا في حال المرض وعلى جنوبكم يعني في حال الزمانة والجراح فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ يعني فإذا أمنتم وسكنت قلوبكم. وأصل الطمأنينة سكون القلب فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني فأتموها أربعا فعلى هذا يكون المراد بالطمأنينة ترك السفر والمعنى فإذا صرتم مقيمين في أوطانكم فأقيموا الصلاة تامة أربعا من غير قصر. وقيل معناه فأقيموا الصلاة بإتمام ركوعها وسجودها فعلى هذا يكون المراد بالطمأنينة سكون القلب عن الاضطراب والأمن بعد الخوف إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً يعني فرضا موقتا والكتاب هنا بمعنى المكتوب يعني مكتوبة موقتة في أوقات محدودة فلا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كان من خوف أو أمن وقيل معناه فرضا واجبا مقدرا في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين. قوله تعالى:

[[سورة النساء (٤): آية ١٠٤]]

وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)

وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ سبب نزول هذه الآية أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا يوم أحد بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم في آثارهم فشكوا من ألم الجراحات فقال الله تعالى ولا تهنوا يعني ولا تضعفوا، ولا تتوانوا في ابتغاء القوم يعني في طلب أبي سفيان وأصحابه ثم أورد عليهم الحجة في ذلك وألزمهم بها فقال تعالى: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ يعني أن حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم وليس ما تكابدون من الوجع وألم الجراح مختصا لكم بل هم كذلك فإذا لم يكن الألم مانعا لهم عن قتالكم فكيف يكون مانعا لكم عن قتالهم وكيف لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أولى بالصبر منهم لأنكم مقرون بالحشر والنشر والثواب والعقاب والمشركون لا يقرون بذلك كله فأنتم أيها المؤمنون أولى بالجهاد منهم وهو قوله تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ يعني وتأملون من الله من الثواب في الآخرة ما لا يرجعون وقيل ترجون النصر والظفر في الدنيا وإظهار دينكم على الأديان كلها وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً يعني أنه تعالى لا يأمركم بشيء إلا وهو يعلم أنه مصلحة لكم. قوله عز وجل:

[سورة النساء (٤): الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦)

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ قال ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى داره ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين فالتمست الدرع عند طعمة فحلف بالله ما أخذها وما له بها من علم فقال أصحاب الدرع: لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي فأخذوه فقال اليهودي: دفعها إلي طعمة بن أبيرق زاد في الكشاف وشهد له جماعة من اليهود. قال البغوي: وجاء بنو ظفر قوم طعمة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسألوه أن يجادل عن صاحبهم طعمة فهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعاقب اليهودي وأن يقطع يده فأنزل الله هذه الآية وقيل إن زيد بن السمين أودع الدرع عند طعمة فجحده طعمة الله فأنزل هذه الآية: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يعني يا محمد الكتاب يعني القرآن بالحق يعني بالصدق وبالأمر والنهي والفصل لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ يعني بما علمك الله وأوحى إليك وإنما سمي العلم اليقيني رؤية لأنه جرى مجرى الرؤية في قوة الظهور روي عن عمر أنه قال لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه صلّى الله عليه وسلّم ولكن ليجهد رأيه لأن الرأي

<<  <  ج: ص:  >  >>