قوله عز وجل: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ استفهام بمعنى التّقرير، أي قد فعلنا ذلك ومعنى الشرح الفتح بما يصده عن الإدراك والله تعالى فتح صدر نبيه صلّى الله عليه وسلّم للهدى، والمعرفة بإذهاب الشّواغل التي تصده عن إدراك الحق، وقيل معناه ألم نفتح قلبك ونوسعه ونلينه بالإيمان، والموعظة، والعلم، والنبوة، والحكمة، وقيل هو شرح صدره في صغره (م) عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل عليه السّلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرجه فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشّيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبلوه، وهو ممتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره» وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ أي حططنا عنك وزرك الذي سلف منك في الجاهلية فهو كقوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وقيل الخطأ والسّهو وقيل ذنوب أمتك فأضافها إليه لاشتغال قلبه بها، وقيل المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى يبلغها لأن الوزر في اللغة الثقل تشبيها بوزر الجبل، وقيل معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك لو كان ذلك الوزر حاصلا فسمى العصمة وضعا مجازا.
واعلم أن القول في عصمة الأنبياء قد تقدم مستوفى في سورة طه عند قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى وعند قوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي أثقله وأوهنه حتى سمع له نقيض وهو الصوت الخفي الذي يسمع من المحمل، أو الرحل فوق البعير، فمن حمل الوزر على ما قبل النّبوة قال هو اهتمام النبي صلّى الله عليه وسلّم بأمور كان فعلها قبل نبوته إذ لم يرد عليه شرع بتحريمها، فلما حرمت عليه بعد النبوة عدها أوزارا وثقلت عليه وأشفق منها فوضعها الله عنه وغفرها له ومن حمل ذلك على ما بعد النبوة قال: هو ترك الأفضل لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أنه سأل جبريل عن هذه الآية، ورفعنا لك ذكرك قال: قال الله عز وجل: إذا ذكرت ذكرت معي» قال ابن عباس:
يريد الأذان، والإقامة، والتّشهد، والخطبة على المنابر، فلو أن عبدا عبد الله وصدقه في كل شيء، ولم يشهد أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم لم ينتفع من ذلك بشيء وكان كافرا، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدّنيا والآخرة فليس خطيب ولا