فأخبرهم الله أن له ملك السموات والأرض، وأن الخلق كلهم عبيده وتحت تصرفه يحكم فيهم بما يشاء، وعليهم السمع والطاعة وَما لَكُمْ يعني يا معشر الكفار عند نزول العذاب مِنْ دُونِ اللَّهِ أي مما سوى الله مِنْ وَلِيٍّ أي قريب وصديق، وقيل من وال وهو المقيم بالأمور وَلا نَصِيرٍ أي ناصر يمنعكم من العذاب وقيل في معنى الآية، وليس لكم أيها المؤمنين بعد الله من قيم يأمركم ولا نصير يؤيدكم، ويقويكم على أعدائكم. قوله عز وجل: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، وقيل: إنهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا كما سئل قوم موسى فقالوا: أرنا الله جهرة فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى أتريدون وقيل بل تريدون أن تسألوا رسولكم يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وذلك أن موسى سأله قومه فقالوا: أرنا الله جهرة ففي الآية منعهم ونهيهم عن السؤالات المقترحة بعد ظهور الدلالات والمعجزات وثبوت الحجج والبراهين على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وَمَنْ يَتَبَدَّلِ أي يستبدل الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي أخطأ قصد الطريق، وقيل:
إن قوله ومن يتبدل الكفر بالإيمان خطاب للمؤمنين أعلمهم أن اليهود أهل غش وحسد، وأنهم يتمنون للمؤمنين المكاره فنهاهم الله تعالى أن يقبلوا من اليهود شيئا ينصحونهم به في الظاهر، وأخبرهم أن من ارتد عن دينه فقد أخطأ قصد السبيل. قوله عز وجل:.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ نزلت هذه الآية في نفر من اليهود، وذلك أنهم قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: لو كنتم على الحق ما هربتم فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلا منكم، فقال عمار بن ياسر. كيف نقض العهد فيكم قالوا شديد قال: إني عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ما عشت قالت اليهود، أما هذا فقد، صبأ وقال حذيفة: أما أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا. ثم إنهما أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبراه بذلك، فقال: أصبتما الخير وأفلحتما فأنزل الله تعالى: وَدَّ أي تمنى كثير من أهل الكتاب يعني اليهود لَوْ يَرُدُّونَكُمْ أي يا معشر المؤمنين مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً أي ترجعون إلى ما كنتم عليه من الكفر حَسَداً أي يحسدونكم حسدا وأصل الحسد تمني زوال النعمة عمن يستحقها، وربما يكون مع ذلك سعي في إزالتها، والحسد مذموم لما روي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب» أخرجه أبو داود، فإذا أنعم الله على عبده نعمة فتمنى آخر زوالها عنه، فهذا هو الحسد وهو حرام فإن استعان بتلك النعمة على الكفر، والمعاصي فتمنى آخر زوالها عنه فليس بحسد، ولا يحرم ذلك لأنه لم يحسده على تلك النعمة، من حيث إنها نعمة بل من حيث إنه يتوصل بتلك النعمة إلى الشر والفساد وقوله: مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أي من تلقاء أنفسهم لم يأمرهم الله بذلك مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ يعني في التوراة أن قول محمد صلّى الله عليه وسلّم ودينه، حق لا يشكون فيه فكفروا به حسدا وبغيا فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا أي فتجاوزوا عما كان منهم من إساءة وحسد وكان هذا الأمر بالعفو، والصفح قبل أن يؤمر بالقتال حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أي بعذابه وهو القتل والسبي لبني قريظة والإجلاء والنفي لبني النضير قال ابن عباس: هو أمر الله له بقتالهم في قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيه وعيد وتهديد لهم وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ لما أمر الله المؤمنين بالعفو والصفح عن اليهود أمرهم بما فيه صلاح أنفسهم من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة الواجبتين، ونبه بذلك على سائر