للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتمانه كانوا بائعين الهدى بالضلالة والمغفرة بالعذاب فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ أي ما الذي صبرهم وأي شيء جسرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل، فهو استفهام بمعنى التوبيخ وقيل: إنه بمعنى التعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، فلما أقدموا على ما يوجب النار مع علمهم بذلك صاروا كالراضين بالعذاب والصابرين عليه، تعجب من حالهم بقوله: فما أصبرهم على النار.

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٧٦ الى ١٧٧]

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعني ذلك العذاب بسبب إن الله نزل الكتاب بِالْحَقِّ فكفروا به وأنكروه وقيل معناه فعلنا بهم ذلك، لأن الله أنزل الكتاب بالحق فحرفوه فعلى هذا يكون المراد بالكتاب التوراة وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ يعني اختلفوا في معانيه وتأويله فحرفوها وبدلوها، وقيل: آمنوا ببعض وكفروا ببعض لَفِي شِقاقٍ أي خلاف ومنازعة بَعِيدٍ يعني عن الحق.

قوله عز وجل: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ هذا خطاب لأهل الكتاب لأن النصارى تصلي قبل المشرق واليهود قبل المغرب إلى بيت المقدس، وزعم كل طائفة منهم أن البر في ذلك، فأخبر الله تعالى أن البر ليس فيما زعموا ولكن فيما بينه في هذه الآية. وقال ابن عباس: هو خطاب للمؤمنين وذلك أن الرجل كان في ابتداء الإسلام إذا أتى بالشهادتين وصلى إلى أي جهة كانت ثم مات على ذلك، وجبت له الجنة فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة، أنزل الله هذه الآية فقال تعالى:

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ أي في صلاتكم قبل المشرق والمغرب ولا تعملوا ذلك وَلكِنَّ الْبِرَّ يعني ما بينته لكم والبر اسم جامع لكل الطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله الموجبة للثواب والمؤدية إلى الجنة ثم بين خصالا من البر فقال تعالى: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أي ولكن البر من آمن بالله فالمراد بالبر هنا الإيمان بالله والتقوى من الله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وإنما ذكر الإيمان باليوم الآخر، لأن عبدة الأوثان كانوا ينكرون البعث بعد الموت وَالْمَلائِكَةِ أي ومن البر الإيمان بالملائكة كلهم لأن اليهود قالوا: إن جبريل عدونا وَالْكِتابِ قيل: أراد به القرآن وقيل جميع الكتب المنزلة لسياق ما بعده وهو قوله وَالنَّبِيِّينَ يعني أجمع وإنما خص الإيمان بهذه الأمور الخمسة لأنه يدخل تحت كل واحد منها أشياء كثيرة مما يلزم المؤمن أن يصدق بها وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ يعني من أعمال البر إيتاء المال على حبه قيل إن الضمير راجع إلى المال فالتقدير على هذا وآتى المال على حب المال (ق) عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان» قوله حتى إذا بلغت الحلقوم يعني الروح وإن لم يتقدم لها ذكر وقوله لفلان كذا هو كناية عن الموصى له وقوله وقد كان لفلان كناية عن الوارث وقيل الضمير في حبه راجع إلى الله تعالى أي وآتي المال على حب الله وطلب مرضاته ذَوِي الْقُرْبى يعني أهل قرابة المعطي وإنما قدمهم لأنهم أحق بالإعطاء. عن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان صدقة وصلة» أخرجه النسائي (ق): «إن ميمونة رضي الله عنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت

<<  <  ج: ص:  >  >>