وَأَنِ اعْبُدُونِي أي أطيعوني ووحدوني هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي لا صراط أقوم منه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أي خلقا كثيرا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ يعني ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس ويقال لهم لما دنوا من النار هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يعني بها في الدنيا اصْلَوْهَا يعني ادخلوها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ قوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ معنى الآية أن الكفار ينكرون ويجحدون كفرهم وتكذيبهم الرسل، ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم وتنطق جوارحهم ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت عونا لهم على المعاصي صارت شاهدة عليهم وذلك أن إقرار الجوارح أبلغ من إقرار اللسان.
فإن قلت ما الحكمة في تسمية نطق اليد كلاما ونطق الرجل شهادة؟
قلت إن اليد مباشرة والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل إقرار على نفسه بما فعل (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «سأل الناس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة قالوا لا قال فو الذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما قال فيلقى العبد ربه فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب، فيقول أفظننت أنك ملاقي، فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا قال ثم يقول له الآن نبعث شاهدنا عليك فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك الذي يسخط الله عليه» قوله أي فل يعني يا فلان قوله وأسودك أي أجعلك سيدا قوله وأذرك ترأس أي تتقدم على القوم بأن تصير رئيسهم وتربع أي تأخذ المرباع وهو ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه من الغنائم وهو ربعها، وروى ترتع بتاءين أي تتنعم وتنبسط من الرتع قوله وذلك ليعذر من نفسه أي ليقيم الحجة عليها بشهادة أعضائه عليه (م) عن أنس بن مالك قال «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك فقال هل تدرون مم أضحك، قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل» قوله لا أجيز أي لا أقبل شاهدا على قوله بعدا لكن وسحقا أي هلاكا، قوله فعنكن كنت أناضل أي أجادل وأخاصم قوله تعالى: