للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد وجمهور الفقهاء فعلى القول الأول يكون معنى الآية إلّا أن تعفو المرأة إذا كانت ثيبا بالغة من أهل العفو عن نصيبها للزوج أو يعفو وليها إذا كانت المرأة بكرا صغيرة أو غير جائزة التصرف فيجوز عفو وليها فيترك نصيبها للزوج وإنما يجوز عفو الولي بشروط وهي أن تكون بكرا صغيرة ويكون الولي أبا أو جدا لأن غيرهما لا يزوج الصغيرة وعلى القول الثاني أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وصحح هذا القول الطبري والواحدي فيكون معنى الآية أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح يعني الزوج فيعطي المرأة الصداق كاملا لأن الله تعالى لما ذكر عفو المرأة عن النصف الواجب لها ذكر عفو الزوج عن النصف الساقط عنه فيحسن للمرأة أن تعفو ولا تطالب بشيء من الصداق وللرجل أن يعفو فيوفي لها المهر كاملا. وروي أن جبير بن مطعم تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها فأكمل لها الصداق وقال أنا أحق بالعفو، ولأن المهر حق المرأة فليس لوليها أن يهب من مالها شيئا، فكذلك المهر لأنه مال لها وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى هذا خطاب للرجال والنساء جميعا وإنما غلب جانب التذكير لأن الذكورة هي الأصل والتأنيث فرع عنها والمعنى وعفو بعضكم عن بعض أيها الرجال والنساء أقرب إلى حصول التقوى وقيل هو خطاب للزوج والمعنى وليعف الزوج فيترك حقه الذي ساق من المهر إليها قبل الطلاق فهو أقرب للتقوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ يعني ليتفضل بعضكم على بعض فيعطي الرجل الصداق كاملا أو يترك المرأة نصيبها من الصداق حثهما جميعا على الإحسان ومكارم الأخلاق إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ يعني من عفو بعضكم لبعض عما وجب له عليه من حق بَصِيرٌ أي لا يخفى عليه شيء من ذلك.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢): آية ٢٣٨]]

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨)

حافِظُوا أي داوموا وواظبوا عَلَى الصَّلَواتِ يعني الخمس المكتوبات أمر الله عز وجل عباده بالمحافظة على الصلوات الخمس المكتوبات بجميع شروطها وحدودها وإتمام أركانها وفعلها في أوقاتها المختصة بها وَالصَّلاةِ الْوُسْطى تأنيث الأوسط ووسط كل شيء خيره وأعدله وقيل الوسطى يعني الفضلى من قولهم للأفضل أوسط وإنما أفردت وعطفت على الصلوات لانفرادها بالفضل وقيل سميت الوسطى لأنها أوسط الصلوات محلا.

(فصل في ذكر اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى) قد اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى على مذاهب: الأول أن الصلاة الوسطى هي صلاة الفجر، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس، وبه قال مالك والشافعي، ويدل على ذلك أن مالكا بلغه أن علي بن أبي طالب وابن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الفجر أخرجه مالك في الموطأ، وأخرجه الترمذي عن ابن عباس وابن عمر تعليقا. ولأنها بين صلاتي جمع فالظهر والعصر يجمعان وهما صلاتا نهار، والمغرب والعشاء يجمعان وهما صلاتا ليل وصلاة الفجر لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها ولأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء إلى غيرها ولأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء وكثرة النعاس وغفلة الناس عنها فخصت بالمحافظة عليها لكونها معرضة للضياع ولأن الله تعالى قال عقبها وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ والقنوت هو طول القيام وصلاة الفجر مخصوصة بطول القيام ولأن الله تعالى خصها بالذكر في قوله وقرآن الفجر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فهي مكتوبة في ديوان حفظة الليل وديوان حفظة النهار فدل ذلك على مزيد فضلها. المذهب الثاني أنها صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبي سعيد الخدري ورواية عائشة وبه قال عبيد الله بن شداد وهو رواية عن أبي حنيفة ويدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>