للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن علينا أن تقرأه، قال فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه جبريل بعد ذلك استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرأه، وفي رواية كما وعده الله تعالى لفظ الحميدي، ورواه البغوي من طريق البخاري وقال فيه: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، كان مما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه فأنزل الله عز وجل الآية، التي في لا أقسم بيوم القيامة لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، قال إن علينا أن نجمعه في صدرك، وتقرأه فإذا قرأناه، فاتبع قرآنه، فإذا أنزلناه فاستمع ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه بلسانك. قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى وفي رواية كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه يخشى أن ينفك منه فقيل له لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، أيّ نجمعه في صدرك وقرآنه أن تقرأه، ومعنى الآية لا تحرك بالقرآن لسانك، وإنما جاز هذه الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه لتجعل به أي بأخذه إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ

أي جمعه في صدرك وحفظك إياه وَقُرْآنَهُ

أي قراءته علينا والمعنى سنقرئك يا محمد بحيث تصير لا تنساه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

أي لا تكن قراءتك مقارنة لقراءة جبريل عليك بل اسكت حتى يتم جبريل ما يوحى إليك، فإذا فرغ جبريل من القراءة، فخذ أنت فيها، وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل بالوحي ونظيره. «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وقيل معناه اعمل به واتبع حلاله، وحرامه، والقول الأول أولى لأن هذا ليس موضع الأمر باتباع حلاله وحرامه وإنما هو موضع الأمر بالاستماع حتى يفرغ جبريل من قراءته فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا نزل عليه جبريل بالوحي أصغى إليه فإذا فرغ من قراءته وعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم وحفظه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي أن نبينه بلسانك فتقرأه كما أقرأك جبريل وقيل إذا أشكل شيء من معانيه فنحن نبينه لك، وعلينا بيان ما فيه من الأحكام والحلال والحرام، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عن معانيه لغاية حرصه على العلم فقيل له نحن نبينه لك.

قوله تعالى: كَلَّا أي حقا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ أي تختارون الدنيا على العقبى وتعملون لها يخاطب كفار مكة.

[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٢٢ الى ٢٩]

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦)

وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة ناضِرَةٌ من النضارة، وهي الحسن قال ابن عباس: حسنة وقيل مسرورة بالنعيم، وقيل ناعمة، وقيل مسفرة مضيئة، وقيل بيض يعلوها نور وبهاء وقيل مشرقة بالنعيم. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال ابن عباس وأكثر المفسرين: تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب قال الحسن حق لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النّظر في هذه الآية بالانتظار قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به وقال أبو صالح: تنتظر الثّواب من ربها، قال الأزهري: ومن قال إن معنى قوله إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ بمعنى منتظرة فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته إنما تقول نظرت فلانا أي انتظرته ومنه قول الحطيئة:

وقد نظرتكم أعشاء صادرة ... للورد طال بها حوزي وتنساسي

فإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكر فيه وتدبر بالقلب، وهذا آخر كلامه ويشهد لصحة هذا أن النظر الوارد في التّنزيل بمعنى الانتظار كثير ولم يوصل في موضع بإلى كقوله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ والوجه إذا وصف بالنظر وعدي بإلى لم يحتمل غير الرؤية، وأما قوله أنظر إلى الله ثم إليك على معنى أتوقع فضل الله ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>